قوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباساً } أي : ستراً تستترون به ، يريد أن ظلمته تغشى كل شيء ، كاللباس الذي يشتمل على لابسه ، { والنوم سباتاً } راحة لأبدانكم وقطعاً لعملكم ، وأصل السبت : القطع ، والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته . { وجعل النهار نشوراً } أي : يقظة وزماناً ، تنتشرون فيه لابتغاء الرزق ، وتنتشرون لأشغالكم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ لِبَاساً وَالنّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النّهَارَ نُشُوراً } .
يقول تعالى ذكره : الذي مدّ الظلّ ثم جعل الشمس عليه دليلاً ، هو الذي جعل لكم أيها الناس الليل لباسا . وإنما قال جلّ ثناؤه : جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ لِباسا لأنه جعله لخلقه جنة يجتنون فيها ويسكنون فصار لهم سترا يستترون به ، كما يستترون بالثياب التي يُكسونها . وقوله والنّوْمَ سُباتا يقول : وجعل لكم النوم راحة تستريح به أبدانكم ، وتهدأ به جوارحكم . وقوله وَجَعَلَ النّهارَ نُشُورا يقول تعالى ذكره : وجعل النهار يقظة وحياة ، من قولهم : نَشر الميتُ ، كما قال الأعشى :
حتى يقُولَ النّاسُ مِمّا رأَوْا *** يا عَجَبا للْمَيّتِ النّاشِرِ
ومنه قول الله : لا يَمْلِكُونَ مَوْتا وَلا حَياةً وَلا نُشُورا . وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَجَعَلَ النّهارَ نُشُورا قال : ينشر فيه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك ، لأنه عقيب قوله والنّوْمَ سُباتا في الليل . فإذ كان ذلك كذلك ، فوصف النهار بأن فيه اليقظة والنشور من النوم أشبه إذ كان النوم أخا الموت . والذي قاله مجاهد غير بعيد من الصواب لأن الله أخبر أنه جعل النهار معاشا ، وفيه الانتشار للمعاش ، ولكن النشور مصدر من قول القائل : نشر ، فهو بالنشر من الموت والنوم أشبه ، كما صحّت الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أصبح وقام من نومه : «الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أحْيانا بَعْدَما أماتَنا ، وَإلَيْهِ النّشُورُ » .
{ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا } شبه ظلامه باللباس في ستره . { والنوم سباتا } راحة للأبدان بقطع المشاغل ، وأصل السبت القطع أو موتا كقوله : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } لأنه قطع الحياة ومنه المسبوت للميت . { وجعل النهار نشورا } ذا نشور أي انتشار ينتشر فيه الناس للمعاش ، أو بعث من النوم بعث الأموات فيكون إشارة إلى أن النوم واليقظة أنموذج للموت والنشور . وعن لقمان عليه السلام يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنتشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.