فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتٗا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورٗا} (47)

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا } شبه سبحانه ما يستر من ظلام الليل باللباس الساتر . قال ابن جرير : وصف الليل باللباس تشبيها من حيث إنه يستر الأشياء ويغشاها { وَ } جعل { النَّوْمَ سُبَاتًا } أي : راحة لكم لأنكم تنقطعون عن الاشتغال ، وأصل السبات التمدد ، يقال سبتت المرأة شعرها ، أي : نقضته وأرسلته . ورجل مسبوت أي ممدود الخلقة ، وقيل للنوم سبات ، لأنه بالتمدد يكون ، وفي التمدد معنى الراحة ، وقيل السبت القطع فالنوم انقطاع عن الاشتغال ، ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الاشتغال قال الزجاج : السبات النوم الخفيف ، وهو أن ينقطع عن الحركة ، والروح في بدنه ، أو ابتداؤه في الرأس ، حتى يبلغ القلب ، أي : جعلنا نومكم راحة لكم .

وقال الخليل : السبات نوم ثقيل ، أي جعلنا نومكم ثقيلا ليكمل الإجمام ، والراحة ، وقيل السبات الموت ، والمسبوت الميت ، لأنه مقطوع الحياة ، هو كقوله تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } ويعضده ذكر النشور في مقابلته ، ذكره الزمخشري ، والنسفي { وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا } أي : ذا نشور وانتشار ينتشر فيه الناس للمعاش ، أي جعله زمان بعث من ذلك السبات شبه اليقظة بالحياة ، كما شبه النوم بالسبات الشبيه بالممات ، وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه ، لأن في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية دنيوية ، وفي النوم واليقظة المشبهين بالموت والحياة عبرة لمن اعتبر ، قال لقمان لابنه : كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر .