إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتٗا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورٗا} (47)

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاساً } بيانٌ لبعض بدائعِ آثارِ قُدرته تعالى وحكمتِه وروائعِ أحكامِ رحمتِه ونعمتِه الفائضِة على الخلق . وتلوينُ الخطابِ لتوفيةِ مقامِ الامتنانِ حقَّه . واللامُ متعلِّقةٌ بجعلَ وتقديمُها على مفعولَيْه للاعتناءِ ببيان كونِ ما يعقبه من منافعِهم . وفي تعقيبِ بيانِ أحوالِ الظلِّ بيانَ أحكامِ اللَّيلِ الذي هُو ظلُّ الأرضِ من لُطف المسلكِ ما لا مزيدَ عليه ، أي هو الذي جعلَ لكُم اللَّيلَ كاللِّباسِ يسترُكم بظلامِه كما يسترُكم اللِّباسُ { والنوم سُبَاتاً } أي وجعلَ النَّومَ الذي يقعُ في اللَّيلِ غالباً قطعاً عن الأفاعيل المختصَّة بحال اليقظةِ عبَّر عنه بالسُّباتِ الذي هو الموتُ لما بينها من المُشابهةِ التَّامةِ في انقطاعِ أحكامِ الحياةِ وعليه قوله تعالى : { وَهُوَ الذي يتوفاكم بالليل } [ سورة الأنعام ، الآية60 ] وقوله تعالى : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [ سورة الزمر ، الآية 42 ] { وَجَعَلَ النهار نُشُوراً } أي زمانَ بعثٍ من ذلك السُّباتِ كبعثِ الموتى على حذفِ المضافِ وإقامةِ المضافِ إليه مُقامَه أو نفسُ البعثِ على طريق المبالغة وفيه إشارةٌ إلى أنَّ النَّومَ واليقظةَ أنموذجٌ للموتِ والنُّشورِ . وعن لُقمانَ عليه السَّلامُ : يا بُنيَّ كما تنامُ فتوقظُ كذلك تموتُ وتنشرُ .