المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

في هذه السورة أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقطع أطماع الكافرين في مساومتهم إياه في دعوة الحق ، فهو باق على عبادة الله الذي لا إله إلا هو ، وهم باقون على عبادة آلهتهم التي لا تغني من الحق شيئا . لهم دينهم الذي قلدوا آباءهم فيه ، وله دينه الذي ارتضاه الله له .

1- قل - يا محمد - : يا أيها الكافرون المصرون على كفرهم .

   
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الكافرون

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الكافرون " تسمى –أيضا- سورة " المقَشْقِشَة " أي : المبرئة من الشرك ، وسورة " العبادة " وسورة " الدين " .

وهي من السور المكية عند الجمهور ، وكان نزولها بعد سورة " الماعون " وقبل سورة " الفيل " .

وقيل : إنها مدنية ، وعدد آياتها ست آيات .

2- وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها ما ذكره ابن إسحاق عن ابن عباس ، أن جماعة من زعماء المشركين أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : هلم فلنعبد إلهك مدة ، وأنت تعبد آلهتنا مدة ، فيحصل بذلك الصلح بيننا وبينك . . فنزلت هذه السورة .

3- وقد ذكر الإمام ابن كثير بعض الأحاديث التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها كثيرا في صلاة ركعتي الفجر ، ومن ذلك ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة " الكافرون " وسورة " قل هو الله أحد " في ركعتي الفجر . . ( {[1]} ) .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين الذين جاؤوك ليساوموك على أن تعبد آلهتهم مدة ، وهم يعبدون إلهك مدة أخرى . . قل لهم على سبيل الحزم والتأكيد : " لا أعبد " أنا الذى تعبدونه من آلهة باطلة ، ولا أنتم عابدون الإِله الحق الذى أعبده ، لجهلكم وجحودكم ، وعكوفكم على ما كان عليه آباؤكم من ضلال .

وافتتحت السورة الكريمة بفعل الأمر " قل " للاهتمام لما سيأتى بعده من كلام المقصود منه إبلاغه إليهم ، وتكليفهم بالعمل به .

ونودوا بوصف الكافرين ؛ لأنهم كانوا كذلك ، ولأن في هذا النداء تحقيرا واستخفافا بهم .

و " ما " هنا موصولة بمعنى الذي ، وأوثرت على " مَن " لأنهم ما كانوا يشكون فى ذات الآلهة التي يعبدونها ، ولافي ذات الإله الحق الذى يعبده النبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانوا يشكون فى أوصافه - تعالى - ، من زعمهم أن هذه الأصنام ما يعبدونها إلا من أجل التقرب إليه .

ويقولون : { هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله } مع أن الله - تعالى - منزه عن ذلك ، فالمقصود من " ما " هنا : الصفة ، وليس الذات ، فكأنه قال : لا أعبد الباطل الذي تعبدونه ، وأنتم لجهلكم لا تعبدون الإله الحق الذى أعبده .

وقوله - تعالى - : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق . . " وما " هنا مصدرية ، فكأنه قبل : ولا أنا عابد عبادتكم ، ولا أنتم عابدون عبادتى .

فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم في المعبود ، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة ، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة ، ومن عبادتهم الفاسدة ، وأنه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ، لا يعبدون إلا الله - عز وجل - ، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية إجماعا{[1]} .

قرأ أبي بن كعب وابن مسعود : «قل للذين كفروا » ، وروي في سبب نزول هذه السورة عن ابن عباس وغيره أن جماعة من عتاة قريش ورجالاتها قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : دع ما أنت فيه ونحن ُنَمِّوُلك ونزوجك من شئت من كرائمنا ونملكك علينا ، وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ولنعبد إلهك حتى نشترك ، فحيث كان الخير نلناه جميعاً ، هذا معنى قولهم ولفظهم ، لكن للرواة زيادة ونقص ، وروي أن هذه الجماعة المذكورة الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبو جهل وابنا الحجاج ونظراؤهم ممن لم يسلم بعد ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم معهم في هذه المعاني مقامات ، نزلت السورة في إحداها بسبب قولهم : هلم نشترك في عبادة إلهك وآلهتنا ، وروي أنهم قالوا : اعبد آلهتنا عاماً ، ونعبد إلهك عاماً ، فأخبرهم عن أمره عز وجل أن لا يعبد ما يعبدون ، وأنهم غير عابدين ما يعبد ، فلما كان قوله : { لا أعبد } محتملاً أن يراد به الآن ، ويبقى المستأنف منتظراً ما يكون فيه من عبادته ، جاء البيان بقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } ، أي أبداً وما حييت .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

عنونت هذه السورة في المصاحف التي بأيدينا قديمها وحديثها وفي معظم التفاسير { سورة الكافرون } بإضافة { سورة } إلى { الكافرون } وثبوت واو الرفع في { الكافرون } على حكاية لفظ القرآن الواقع في أولها .

ووقع في الكشاف وتفسير ابن عطية وحرز الأماني { سورة الكافرون } بياء الخفض في لفظ { الكافرين } بإضافة { سورة } إليه أن المراد سورة ذكر الكافرين ، أو نداء الكافرين ، وعنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه سورة { قل يا أيها الكافرون } .

قال في الكشاف والإتقان : وتسمى هي وسورة قل هو الله أحد بالمقشقشتين لأنهما تشقشقان من الشرك أي تبرئان منه يقال : قشقش ، إذ أزال المرض .

وتسمى أيضا سورة الإخلاص فيكون هذان الاسمان مشتركين بينها وبين سورة قل هو الله أحد .

وقد ذكر في سورة براءة أن سورة براءة تسمى المقشقشة لأنها تقشقش ، أي تبرئ من النفاق فيكون هذا مشتركا بين السور الثلاث فيحتاج إلى التمييز .

وقال سعد الله المعروف بسعدي عن جمال القراء أنها تسمى سورة العبادة وفي بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي تسمى { سورة الدين } .

وهي مكية بالاتفاق في حكاية ابن عطية وابن كثير ، وروي عن ابن الزبير أنها مدنية .

وقد عدت الثامنة عشرة في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الماعون وقبل سورة الفيل .

وعدد آياتها ست .

أغراضها

وسبب نزولها فيما حكاه الواحدي في أسباب النزول وابن إسحاق في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف في الكعبة فاعترضه الأسود بن المطلب بن أسد ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل . وكانوا ذوي أسنان في قومهم فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد سنة وتعبد ما نعبد سنة فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظه منا وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره ، فأنزل الله فيهم { قل يا أيها الكافرون } السورة كلها فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقرأها عليهم فيئسوا منه عند ذلك وإنما عرضوا عليه ذلك لأنهم رأوا حرصه على أن يؤمنوا فطمعوا أن يستزلوه إلى الاعتراف بإلهية أصنامهم .

وعن ابن عباس : فيئسوا منه وآذوه وآذوا أصحابه .

وبهذا يعلم الغرض الذي اشتملت عليه وأنه تأييسهم من أن يوافقهم في شيء مما هم عليه من الكفر بالقول الفصل المؤكد في الحال والاستقبال وأن دين الإسلام لا يخالط شيئا من دين الشرك .

افتتاحها ب { قلْ } للاهتمام بما بعد القول بأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص منصوص فيه على أنه مرسل بقول يبلغه وإلا فإن القرآن كله مأمور بإبلاغه ، ولهذه الآية نظائر في القرآن مفتتحة بالأمر بالقول في غير جوابٍ عن سؤال منها : { قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء للَّه } في سورة الجمعة ( 6 ) . والسور المفتتحة بالأمر بالقول خمس سور : { قل أوحي } [ الجن : 1 ] ، وسورة الكافرون ، وسورة الإخلاص ، والمعوّذتان ، فالثلاث الأول لقول يبلِّغه ، والمعوّذتان لقول يقوله لتعويذ نفسه .

والنداء موجه إلى الأربعة الذين قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ، كما في خبر سبب النزول وذلك الذي يقتضيه قوله : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } كما سيأتي .

وابتدىء خطابهم بالنداء لإِبلاغهم ، لأن النداء يستدعي إقبال أذهانهم على ما سيلقى عليهم .

ونُودوا بوصف الكافرين تحقيراً لهم وتأييداً لوجه التبرؤ منهم وإيذاناً بأنه لا يخشاهم إذا ناداهم بما يَكرهون مما يثير غضبهم لأن الله كفاه إياهم وعصمه من أذاهم . قال القرطبي : قال أبو بكر بن الأنباري : إن المعنى : قل للذين كفروا يا أيها الكافرون أن يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم : يا أيها الكافرون ، وهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر .