المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

6- يوم يقوم الناس لأمر رب العالمين وقضائه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

{ يوم يقوم الناس } من قبورهم ، { لرب العالمين } أي لأمره ولجزائه ولحسابه . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إبراهيم بن المنذر ، أنبأنا معن ، حدثني مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " .

أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشمهيني ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن يعقوب الكسائي ، حدثنا عبد الله بن محمود ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني سليم بن عامر ، حدثني المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين -قال سليم : لا أدري أي الميلين يعني مسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين ؟- قال : فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم ، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه إلجاماً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين } بدل مما قبله . واللام فى قوله { لرب } للتعليل . أى : يقومون لأجل ربوبيته - تعالى - وتلقى حكمه الذى لا يستطيعون الفرار منه . وفى هذا الوصف ما فيه استحضار جلاله - وعظمته - سبحانه - .

قال القرطبى : وفى هذا الإِنكار والتعجيب ، وكلمة الظن . ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه الله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين ، بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإِثم فى التطفيف ، وفيما كان مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على التسوية والعدل ، فى كل أخذ وإعطاء ، بل فى كل قول وعمل . .

هذا ، وقد جاء الأمر بإيفاء الكيل والميزان ، والنهى عن تطفيفهما ، فى آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } ومنها قوله - سبحانه - : { وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } قال بعض العلماء ما ملخصه : والتصدى لشأن المطففين بهذا الأسلوب فى سورة مكية ، أمر يلفت النظر ، فالسورة المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقائد .

ومن ثم فالتصدى لهذا الأمر بذاته ، يدل أولا على أن الإِسلام ، كان يواجه فى البيئة المكية ، حالة صارخة من هذا التطفيف يزاولها الكبراء .

. الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون فهم " يكتالون على الناس " لا من الناس . . فكأن لهم سلطانا على الناس .

ويدل - ثانيا - على طبيعة هذا الدين ، وشمول منهجه للحياة الواقعية ، وشئونها العملية ، وإقامتها على الأساس الأخلاقى الأصيل فى طبيعة هذا المنهج الإِلهى القويم . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : يقومون حفاة عراة غُرلا في موقف صعب حَرج ضيق ضنَك على المجرم ، ويغشاهم من أمر الله - ما تَعْجزُ القوى والحواس عنه .

قال الإمام مالك : عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " .

رواه البخاري ، من حديث مالك وعبد الله بن عون ، كلاهما عن نافع ، به{[29828]} . ورواه مسلم من الطريقين أيضا . وكذلك رواه صالح [ وثابت بن كيسان ]{[29829]} وأيوب بن يحيى ، وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر ، ومحمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، به{[29830]} .

ولفظ الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا ابن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : : " { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } لعظَمة الرحمن عز وجل يوم القيامة ، حتى إن العرقَ ليُلجِمُ الرجالَ إلى أنصاف آذانهم " {[29831]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني سليم بن عامر ، حدثني المقداد - يعني ابن الأسود الكندي - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان يومُ القيامة أدنِيَت الشمس من العباد ، حتى تكون قيدَ ميل أو ميلين ، قال : فتصهرهم الشمس ، فيكونون في العَرق كقَدْر أعمالهم ، منهم من يأخذه إلى عَقِبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى حَقْوَيه ، ومنهم من يلجمه إلجاما " .

رواه مسلم ، عن الحكم بن موسى ، عن يحيى بن حمزة - والترمذي ، عن سويد ، عن ابن المبارك - كلاهما عن ابن جابر ، به{[29832]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سَوَّار ، حدثنا الليث بن سعد ، عن معاوية ابن صالح : أن أبا عبد الرحمن حدثه ، عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل ، ويزاد في حرها كذا وكذا ، تغلي منها الهوام كما تغلي القدور ، يُعرَقون فيها على قدر خطاياهم ، منهم من يبلغ إلى كعبيه ، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه ، ومنهم من يبلغ إلى وسطه ، ومنهم من يلجمه العرق " . انفرد به أحمد{[29833]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا أبو عُشَّانة حَي بن يُؤمِنُ ، أنه سمع عقبة بن عامر يقول : سمعتُ رسول صلى الله عليه وسلم يقول : " تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس ، فمن الناس من يبلغ عرقه عَقِبيه ، ومنهم من يبلغ إلى نصف الساق ، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ، ومنهم من يبلغ العَجُز ، ومنهم من يبلغ الخاصرة ، ومنهم من يبلغ منكبيه ، ومنهم من يبلغ وسط فيه - وأشار بيده فألجمها فاه ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير هكذا - ومنهم من يغطيه عرقه " . وضرب بيده إشارة . انفرد به أحمد{[29834]} .

وفي حديث : أنهم يقومون سبعين سنة لا يتكلمون . وقيل : يقومون ثلاثمائة سنة . وقيل : يقومون أربعين ألف سنة . ويقضى بينهم في مقدار عشرة{[29835]} آلاف سنة ، كما في صحيح مسلم عن أبي هُرَيرة مرفوعا : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " {[29836]} .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو عون الزيادي ، أخبرنا عبد السلام بن عَجْلان ، سمعت أبا يزيد المدني ، عن أبي هريرة{[29837]} قال : قال النبي{[29838]} صلى الله عليه وسلم لبشير{[29839]} الغفاري : " كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه ثلاثمائة سنة لرب العالمين ، من أيام الدنيا ، لا يأتيهم فيه خبر من السماء ولا يؤمر فيه بأمر ؟ " . قال بشير : المستعان الله . قال : " فإذا أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كَرْب يوم القيامة ، وسوء الحساب " .

ورواه ابن جرير من طريق عبد السلام ، به{[29840]} .

وفي سنن أبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة{[29841]} .

وعن ابن مسعود : يقومون أربعين سنة رافعي رءوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق بَرّهم وفاجرهم .

وعن ابن عمر : يقومون مائة سنة . رواهما ابن جرير{[29842]} .

وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجة ، من حديث زيد بن الحباب ، عن معاوية بن صالح ، عن أزهر بن سعيد الحواري ، عن عاصم بن حميد ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح قيام الليل : يكبر عشرا ، ويحمد عشرا ، ويسبح عشرا ، ويستغفر عشرا ، ويقول : " اللهم اغفر لي واهدني ، وارزقني وعافني " . ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة{[29843]} .


[29828]:- (1) صحيح البخاري برقم (2862، 6531).
[29829]:- (2) زيادة من أ.
[29830]:- (3) صحيح مسلم برقم (2862).
[29831]:- (4) المسند (2/31).
[29832]:- (5) المسند (6/3) وصحيح مسلم برقم (2864) وسنن الترمذي يرقم (2421).
[29833]:- (1) المسند (5/254).
[29834]:- (2) المسند (4/157).
[29835]:- (3) في أ: "عدة".
[29836]:- (4) صحيح مسلم برقم (987).
[29837]:- (5) في م: "عن أبي هريرة مرفوعا".
[29838]:- (6) في م، أ: "قال رسول الله".
[29839]:- (7) في أ: "لبشر".
[29840]:- (8) تفسير الطبري (30/59).
[29841]:- (9) سنن أبي داود برقم (766) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[29842]:- (10) تفسير الطبري (30/59).
[29843]:- (1) سنن أبي داود برقم (766) وسنن النسائي (3/208) وسنن ابن ماجة برقم (1356).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأوّل المخفوض ، ولكنه لما لم يعد عليه اللام ، ردّ إلى مبعوثون ، فكأنه قال : ألا يظنّ أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس ؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض ، لأنها إضافة غير محضة ، ولو خفض ردّا على اليوم الأوّل لم يكن لحنا ، ولو رفع جاز ، كما قال الشاعر :

وكُنْتُ كَذي رِجْلَينِ : رِجلٍ صَحِيحةٍ *** وَرِجْلٍ رَمى فِيها الزّمانُ فَشُلّتِ

وذُكر أن الناس يقومون لربّ العالمين يوم القيامة ، حتى يُلْجِمَهم العرق ، فبعض يقول : مقدار ثلاث مئة عام ، وبعض يقول : مقدار أربعين عاما . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يقوم أحدكم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا ابن عون ، عن نافع ، قال : قال ابن عمر : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ النّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ اللّهِ ، حتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إلى أنْصَافِ آذَانِهِمْ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ الرّحْمَنِ » ، ثم ذكر مثله .

حدثني محمد بن خَلَف العَسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُونَ حتى يَبْلُغَ الرّشْحُ إلى أنْصَافِ آذانِهِمْ » .

حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبي ، عن صالح ، قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ » : «يَومَ الْقِيامَةِ ، حتى يَغِيبَ أحَدهُمُ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة بن سعيد ، عن محارب بن دِثار ، عن ابن عمر ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ قال : يقومون مئة سنة .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، حّتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرّجُلَ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

حدثنا ابن المثنى وابن وكيع ، قالا : حدثنا يحيى ، عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتّى يَقُومَ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .

حدثني محمد بن إبراهيم السّلِيْميّ المعروف بابن صدران ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال : حدثنا عبد السلام بن عجلان ، قال : حدثنا يزيد المدني ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير الغِفَاريّ : «كَيْفَ أنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ مِقْدَارَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْ أيّامِ الدّنيْا ، لا يأتِيهِمْ خَبرٌ مِنَ السّماءِ ، وَلا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ ؟ » قال بشير : المستعان الله يا رسول الله ، قال : «إذَا أنْتَ أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَتَعَوّذْ باللّهِ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَسُوءِ الْحِسابِ » .

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يمكثون أربعين عاما رافعي رؤوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق كلّ برّ وفاجر ، قال : فينادي منادٍ : أليس عدلاً من ربكم أن خلقكم ثم صوّركم ، ثم رزقكم ، ثم توليتم غيره ، أن يولّي كلّ عبد منكم ما تولى في الدنيا ؟ قالوا : بلى . ثم ذكر الحديث بطوله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن سكْن ، قال : حدث عبد الله ، وهو عند عمر يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاما ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، ولا يكلّمهم بشر أربعين عاما ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العالَمِينَ قال : ذُكر لنا أن كعبا كان يقول : يقومون ثلاث مئة سنة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وسعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : كان كعب يقول : يقومون مقدار ثلاث مئة سنة .

قال : قتادة : وحدثنا العلاء بن زياد العدويّ ، قال : بلغني أن يوم القيامة يَقْصُر على المؤمن ، حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة .

قال : ثنا مهران ، قال : حدثنا العمريّ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُ الرّجُلُ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيهِ » .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

قال يعقوب ، قال إسماعيل : قلت لابن عون : ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ؟ قال : نَعَمْ إنْ شاءَ اللّهُ .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثني عمي ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ ، حتى إنّ أحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إلى نِصْفِ أُذُنَيْهِ » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

و { يوم يقوم الناس لرب العالمين } بدل من « يوم عظيم » بدلاً مطابقاً وفتحته فتحة بناء مثل ما تقدم في قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } في سورة الانفطار ( 19 ) على قراءة الجمهور ذلك بالفتح .

ومعنى { يقوم الناس } أنهم يكونون قياماً ، فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة .

واللام في { لرب العالمين } للأجل ، أي لأجل ربوبيته وتلقي حكمه .

والتعبير عن الله تعالى بوصف « رب العالمين » لاستحضار عظمته بأنه مالك أصناف المخلوقات .

واللام في { العالمين } للاستغراق كما تقدم في سورة الفاتحة .

قال في « الكشاف » « وفي هذا الإِنكار ، والتعجيب ، وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته ب« رب العالمين » بيان بليغ لعظيم الذنب وتفاقم الإِثم في التطفيف وفيما كان مثل حالهِ من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية » اه .

ولما كان الحامل لهم على التطفيف احتقارهم أهل الجَلب من أهل البوادي فلا يقيمون لهم ما هو شعار العدل والمساواة ، كان التطفيف لذلك منبئاً عن إثم احتقار الحقوق ، وذلك قد صار خلقاً لهم حتى تخلقوا بمكابرة دعاة الحق ، وقد أشار إلى هذا التنويه به قوله تعالى : { والسماء رفعها ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } [ الرحمن : 7 9 ] وقولُه حكاية عن شعيب : { وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [ الشعراء : 182 ، 183 ] .