قوله تعالى : { الأخلاء } على المعصية في الدنيا ، { يومئذ } يوم القيامة ، { بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } إلا المتحابين في الله عز وجل على طاعة الله عز وجل .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد ، أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمد بن جرير ، حدثنا ابن عبد الأعلى ، عن قتادة ، حدثنا أبو ثور عن معمر عن قتادة عن أبي إسحاق أن علياً قال في هذه الآية : خليلان مؤمنان وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب إن فلاناً كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، ويخبرني أني ملاقيك ، يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني ، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما ، فيقول : ليثن أحدكما على صاحبه ، فيقول : نعم الأخ ، ونعم الخليل ، ونعم الصاحب ، قال : ويموت أحد الكافرين ، فيقول : يا رب إن فلاناً كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، فيقول بئس الأخ ، وبئس الخليل ، وبئس الصاحب .
وبعد هذا الحديث عن جانب عن قصة موسى ، وعن جانب من قصة عيسى - عليهما السلام - ، وعن موقف أقوامها منهما . . بعد كل ذلك رسمت السورة الكريمة صورة واضحة لحسن عاقبة المؤمنين ، ولسوء عاقبة المكذبين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حى عن بينة ، فقال - تعالى - : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ . . . وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } .
وقوله - تعالى - : { الأخلاء } جمع خليل بمعنى صديق . وسمى الأصدقاء أخلاء ، لأن المودة التى بينهم تخللت قلوبهم واختلطت بنفوسهم .
أى : الأصدقاء فى الدنيا ، يصير بعضهم لبعض يوم القيامة أعداء ، لأنهم كانوا يجتمعون على الشرور والآثام فى الدنيا ، وكانوا يتواصون بالبقاء على الكفر والفسوق والعصيان فلما جاء يوم القيامة ، وانكشفت الحقائق . . انقلبت صداقتهم إلى عداوة .
{ إِلاَّ المتقين } فإن صداقتهم فى الدنيا تنفعهم فى الآخرة ، لأنهم أقاموها على الإِيمان والعمل الصالح والطاعة لله رب العالمين .
فالآية الكريمة إنذار للكافرين الذين كانت صداقاتهم فى الدنيا تقوم على محاربة الحق ، ومناصرة الباطل . . . وبشارة عظيمة للمتقين الذين بنوا صداقتهم فى الدنيا على طاعة الله - عالى - ونصرة دينه ، والعمل بشريعته .
( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) . .
وإن عداء الأخلاء لينبع من معين ودادهم . . لقد كانوا في الحياة الدنيا يجتمعون على الشر ، ويملي بعضهم لبعض في الضلال . فاليوم يتلاومون . واليوم يلقي بعضهم على بعض تبعة الضلال وعاقبة الشر . واليوم ينقلبون إلى خصوم يتلاحون ، من حيث كانوا أخلاء يتناجون ! ( إلا المتقين ) . . فهؤلاء مودتهم باقية فقد كان اجتماعهم على الهدى ، وتناصحهم على الخير ، وعاقبتهم إلى النجاة . .
وقوله : { الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ } أي : كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله ، عز وجل ، فإنه دائم بدوامه . وهذا كما قال إبراهيم ، عليه السلام ، لقومه : { إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث{[26118]} ، عن علي ، رضي الله
عنه : { الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ } قال : خليلان مؤمنان ، وخليلان كافران ، فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة فذكر خليله ، فقال : اللهم ، إن فلانا خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، وينبئني أني ملاقيك ، اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وترضى عنه كما رضيت عني . فيقال له : اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا وبكيت قليلا . قال : ثم يموت الآخر ، فتجتمع أرواحهما ، فيقال : ليثن أحدكما{[26119]} على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : نعم الأخ ، ونعم الصاحب ، ونعم الخليل . وإذا مات أحد الكافرين ، وبشر بالنار ذكر خليله فيقول : اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وتسخط عليه كما {[26120]} سخطت علي . قال : فيموت الكافر الآخر ، فيجمع بين أرواحهما فيقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه . فيقول كل واحد منهما لصاحبه : بئس الأخ ، وبئس الصاحب ، وبئس الخليل . رواه ابن أبي حاتم {[26121]} .
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين .
وروى الحافظ ابن عساكر - في ترجمة هشام بن أحمد - عن هشام بن عبد الله بن كثير : حدثنا أبو جعفر محمد بن الخضر بالرقة ، عن معافي : حدثنا حكيم بن نافع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن رجلين تحابا في الله ، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ، لجمع الله بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي أحببته في " {[26122]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.