ثم وَصَفَ سُبْحَانَه بَعْضَ حالِ القيامة ، فقال : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } ، وذلك لهولِ مطلعها والخوف المُطِيفِ بالناس فيها ؛ يتعادى ويتباغضُ كُلُّ خليل كان في الدنيا على غير تُقًى ؛ لأَنَّه يرى أَنَّ الضَّرَرَ دخل عليه من قِبَلِ خليله ، وأَمَّا المُتَّقُونَ فَيَرَوْنَ أَنَّ النفْعَ دخَلَ من بعضهم على بعض ، هذا معنى كلام عليٍّ رضي اللَّه عنه وخَرَّجَ البَزَّارُ عن ابن عَبَّاس قال : " قيل : يا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ ؟ قَالَ : مَنْ ذَكَّرَكُمْ باللَّهِ رُؤْيَتُهُ ، وَزَادَكُمْ في عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ ، وَذَكَّرَكُمْ بِاللَّهِ عَمَلُهُ " اه ، فمِنْ مِثْلِ هؤلاء تصلُحُ الأُخُوَّةُ الحقيقية ، واللَّه المستعانُ ، ومن كلام الشيخ أبي مَدْيَنَ رضي اللَّه عنه : " دليلُ تخليطِكَ صُحْبَتُكَ للمخلِّطين ، ودليلُ انقطاعك صُحْبَتُكَ لِلمُنْقَطِعِين " ، وقال ابن عطاء اللَّه في «التنوير » : قَلَّ ما تَصْفُو لَكَ الطَّاعَات ، أو تَسْلَمُ من المخالَفَات ، مع الدخول في الأسباب ، لاِستلزامها لمعاشرة الأضداد ؛ ومخالطة أَهْلِ الغَفْلة والبِعَاد ، وأَكْثَرُ ما يعينك على الطاعات رؤيةُ المُطِيعين ، وأَكْثَرُ ما يُدْخِلُكَ في الذَّنْبِ رؤيةُ المُذْنِبين ، كما قال عليه السلام : " المَرْءُ على دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ " والنفس من شأنها التَّشَبُّهُ والمحاكَاةُ بصفَاتِ مَنْ قارَنَهَا ، فصحبةُ الغافلين مُعِينَةٌ لها على وجود الغَفْلَةِ ، انتهى . وفي «الحِكَمِ الفارقيَّة » : مَنْ ناسب شَيْئاً انجذب إليه ؛ وظَهَرَ وَصْفُهُ عليه ، وفي «سماع العُتْبِيَّةِ » قال مالك : لا تصحبْ فاجراً ؛ لئلاَّ تتعلمَ من فجوره ، قال ابن رُشْدٍ : لا ينبغي أنْ يصحب إلاَّ مَنْ يُقْتَدَى به في دينه وخيره ؛ لأَنَّ قرينَ السوء يُرْدِي ؛ قال الحكيم :
ذَا كُنْتَ في قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُم *** وَلاَ تَصْحبِ الأردى فتردى مَعَ الرَّدِي
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِه *** فَكُلُّ قَرِينٍ بالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
( ت ) : وحديث : " المَرْءُ على دِينِ خَلِيلهِ " أخرجه أبو داود ، وأبو بكر بن الخطيب وغيرهما ، وفي «المُوَطَّإ » من حديث معاذ بن جبل ، قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : قال اللَّه تبارك وتعالى : " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ والمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ " قال أبو عمر : إسناده صحيحٌ عن أبي إدريس الخولانيِّ عن معاذ ، وقد رواه جماعة عن معاذٍ ، ثم أسند أبو عمر من طريق أبي مسلم الخولاني ، عن معاذ قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " المُتَحَابُّونَ في اللَّه على مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ في ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ " ، قال أبو مسلم : فخرجت فلقيتُ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ ، فذكرتُ له حديث مُعَاذٍ ، فقال : وَأَنا سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ : قَالَ : " حَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى المُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى المُتَزَاوِرِينَ فيَّ ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتي عَلَى المُتَبَاذِلِينَ فيَّ ، والمُتَحَابُّونَ في اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ في ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ " انتهى من «التمهيد » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.