تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} (67)

الآية 67 وقوله تعالى : { الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } يحتمل قوله : { المتقين } الموحّدين . فتكون خِلّة أهل الكفر في ما بينهم في الدنيا عداوة في الآخرة لقوله : { يوم القيامة يكفُر بعضهم ببعض ويلعن بعضكم بعضا } [ العنكبوت : 25 ] وما ذُكر في غير آية{[19020]} من القرآن لعن [ بعضهم ]{[19021]} عن بعض وتبرّؤ بعضهم{[19022]} من بعض كقوله تعالى : { إذ تبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتّبعوا } الآية [ البقرة : 166 ] .

وأمّا خلّة الموحّدين في ما بينهم فهي خلّة في الدارين جميعا . هذا يحتمل ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون قوله : { الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين } استثنى خلّة من اتقى النار بنفسه ، ووقى صاحبه أيضا مما أمره بالطاعات لله تعالى والقيام بالخيرات ، وزجره عن معاصيه ومخالفة أمره كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } [ التحريم : 6 ] أمرهم بوقاية أنفسهم وأهليهم{[19023]} نارا ، وإنما [ يتقون تلك ]{[19024]} النار بالقيام [ بالأسباب التي أُمروا بالقيام ]{[19025]} بها والامتناع والانتهاء عما نهوا عنها ، وزُجروا منها .

فكلّ خلّة في ما بين المؤمنين على هذا الوجه فهي خلّة ومودة في الدارين جميعا ، لا تصير عداوة لأنها لله تعالى وطلب مرضاته .

فأما الخلّة التي تكون في ما بينهم للدنيا فهي تصير عداوة أيضا على ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقد رُوي في الخبر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ الأخلاء أربعة مؤمنان وكافران ، فمات أحد المؤمنين ، فسُئل عن خليله ، فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر منه . اللهم اهده كما هديتني ، وأمته على ما أمتّني عليه . ومات أحد الكافرين ، فسُئل عن خليله ، فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمنكر ولا أنهى عن معروف منه . اللهم أضلّه كما أضللتني ، وأمته كما أمتّني . قال : ثم يُبعثون يوم القيامة ، فقال : ليُثن بعضكم على بعض . فأما المؤمنان فيُثني كل واحد منهما على صاحبه ثناء حسنا . وأما الكافران فيثني كل واحد منهما على الآخر ثناء قبيحا ) [ السيوطي في الدر المنثور 7/388 ] .

وعلى هذا السبيل رُوي هذا الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( أحبَّ في الله ، وأبغض في الله ، ووادّ في الله ، ووال في الله ، فإنما تُنال ولاية الله في ذلك ، لا ينال ما عند الله إلا بذلك ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( ولن يجد عبد طعم الإيمان ، وإن كثُرت صلاته وصيامه وصدقته حتى يكون كذلك ، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس اليوم على الدنيا . ولكن لا تجزي عن أهله شيئا ، ثم قرأ : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين } وقرأ : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر } الآية [ المجادلة : 22 ] [ عن ابن عمر أبو نعيم في الحلية 1/312 ] فقول ابن عباس يومئ إلى أن كل خِلّة ومؤاخاة في ما بين المؤمنين للدنيا ، فهي تصير عداوة في الآخرة ، والله أعلم .


[19020]:في الأصل وم: أي.
[19021]:من م، ساقطة من الأصل.
[19022]:من م، في الأصل: بعضكم.
[19023]:في الأصل وم: وأهليكم.
[19024]:في الأصل وم: يقون ذلك.
[19025]:من م، ساقطة من الأصل.