الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} (67)

أخرج ابن مردويه ، عن سعد بن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام ، وقلت الأنساب ، وذهبت الأخوّة ، إلا الأخوة في الله » وذلك قوله : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن مجاهد رضي الله عنه { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } قال : على معصية الله في الدنيا متعادون .

وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة رضي الله عنه { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : « الأخلاء أربعة مؤمنان وكافران ، فمات أحد المؤمنين ، فسئل عن خليله فقال : اللهم لم أر خليلاً آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر منه ، اللهم اهده كما هديتني ، وأمته على ما أمتني عليه ، ومات أحد الكافرين ، فسئل عن خليله ؟ فقال : اللهم لم أر خليلاً آمَرَ بمنكر منه ولا أنهى عن معروف منه ، اللهم أضله كما أضللتني وأمته على ما أمتني عليه قال : ثم يبعثون يوم القيامة ، فقال : ليثن بعضكم على بعض ، فأما المؤمنان ، فأثنى كل واحد منهما على صاحبه كأحسن الثناء ، وأما الكافران ، فأثنى كل واحد منهما على صاحبه كأقبح الثناء » .

وأخرج ابن أبي شيبة ، عن كعب رضي الله عنه قال : يؤتى بالرئيس في الخير يوم القيامة ، فيقال : أجب ربك ، فينطلق به إلى ربه ، فلا يحجب عنه ، فيؤمر به إلى الجنة ، فيرى منزله ومنازل أصحابه الذين كانوا يجامعونه على الخير ، ويعينونه عليه ، فيقال هذه منزلة فلان وهذه منزلة فلان ، فيرى ما أعد الله في الجنة من الكرامة ، ويرى منزلته أفضل من منازلهم ، ويكسى من ثياب الجنة ، ويوضع على رأسه تاج ويعلقه من ريح الجنة ويشرق وجهه حتى يكون مثل القمر ليلة البدر ، فيخرج فلا يراه أهل ملأ إلا قالوا : اللهم اجعله منهم حتى يأتي أصحابه الذين كانوا يجامعونه على الخير ويعينونه عليه ، فيقول أبشر يا فلان ، فإن الله أعد لك في الجنة كذا وأعد لك في الجنة كذا وكذا ، فلا يزال يخبرهم بما أعد الله لهم في الجنة من الكرامة حتى يعلو وجوههم من البياض مثل ما علا وجهه ، فيعرفهم الناس ببياض وجوههم ، فيقولون هؤلاء أهل الجنة . ويؤتى بالرئيس في الشر ، فيقال أجب ربك ، فينطلق به إلى ربه ، فيحجب عنه ويؤمر به إلى النار ، فيرى منزله ومنازل أصحابه ، فيقال هذه منزلة فلان وهذه منزلة فلان ، فيرى ما أَعَدَّ الله فيها من الهوان ويرى منزلته شراً من منازلهم ، فَيَسْوَدُّ وَجْهَهُ وَتَزْرَقُّ عيناه ويوضع على رأسه قلنسوة من نار ، فيخرج فلا يراه أهل ملأ إلا تعوذوا بالله منه ، فيقول ما أعاذكم الله مني ؟ أما تذكر يا فلان كذا وكذا ، فيذكرهم الشر الذي كانوا يجامعونه ويعينونه عليه ، فما يزال يخبرهم بما أعد الله لهم في النار حتى يعلو وجوههم من السواد مثل الذي علا وجهه ، فيعرفهم الناس بسواد وجوههم ، فيقولون هؤلاء أهل النار .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وحميد بن زنجويه في ترغيبه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله : { الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين } قال : خليلان مؤمنان وخليلان كافران ، توفي أحد المؤمنين ، فبشر بالجنة ، فذكر خليله ، فقال : اللهم إن خليلي فلاناً كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر وينبئني أني ملاقيك اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه ما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني ، فيقال له اذهب ، فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيراً ولبكيت قليلاً ، ثم يموت الآخر ، فيجمع بين أرواحهما ، فيقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه نعم الأخر ونعم الصاحب ونعم الخليل ، وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار ، فيذكر خليله ، فيقول : اللهم إن خليلي فلاناً كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير وينبئني أني غير ملاقيك ، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وتسخط عليه كما سخطت علي ، فيموت الآخر ، فيجمع بين أرواحهما ، فيقال ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه بئس الأخ وبئس الصاحب وبئس الخليل .