{ الأخلاء يومئذ } المتخالون على المعاصي والفساد ، والصدّ عن الحق يوم القيامة { بعضهم لبعض عدو } أي معاد ، يتبرأ كل من صاحبه { إلا المتقين } أي المتصادقين في طاعة الله ومحبته . قال القاشانيّ : الخلّة إما أن تكون خيرية أولا والخيرية إما أن تكون في الله أو لله ومحبّته وغير الخيرية إما أن يكون سببها اللذة النفسانية أو النفع العقليّ . والقسم الأول هو المحبة الروحانية الذاتية المستندة إلى تناسب الأرواح في الأزل ، التي قال{[1]} فيها " فما تعارف منها ائتلف " فهم إذا برزوا في هذه النشأة ، وتوجهوا إلى الحق ، وتجددوا عن مواد الرجس ، فلما تلاقوا تعارفوا ، وإذا تعارفوا تحابوا ، لتجانسهم الأصلي ، وتوافقهم في الوجهة والطريقة ، وتشابههم في السيرة والغريزة ، وتجردهم عن الأغراض الفاسدة والأعراض الذاتية ، التي هي سبب العداوة . وانتفع كل منهم بالآخر في سلوكه وعرفانه . والتذّ بلقائه ، وتصفى بصفائه ، وتعاونوا في أمور الدنيا والآخرة . فهي الخلة التامة الحقيقية التي لا تزول أبدا كمحبة الأنبياء والأصفياء والأولياء والشهداء . والقسم الثاني هو المحبة القلبية المستندة إلى تناسب الأوصاف والأخلاق والسير الفاضلة . ونشأته الاعتقادات والأعمال الصالحة . كمحبة الصلحاء والأبرار فيما بينهم . ومحبة العرفاء والأولياء إياهم . ومحبة الأنبياء أممهم . والقسم الثالث هو المحبة النفسانية المستندة إلى اللذات الحسية والأغراض الجزئية . كمحبة الأزواج لمجرد الشهوة . ومحبة الفجار والفساق المتعاونين في اكتساب الشهوات واستلاب الأموال . والقسم الرابع هو المحبة العقلية المستندة إلى تسهيل أسباب المعاش ، وتيسير المصالح الدنيوية . كمحبة التجار والصناع . ومحبة المحسن إليه للمحسن . فكل ما استند إلى غرض فان وسبب زائل ، زال/ بزواله ، وانقلب عند فقدانه عداوة . لتوقع كل من المتحابين ما اعتاد من صاحبه ، من اللذة المعهودة والنفع المألوف . وامتناعه لزوال سببه . ولما كان الغالب على أهل العالم أحد القسمين الأخيرين ، أطلق الكلام وقال { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } لانقطاع أسباب الوصلة بينهم ، وانتفاء الآلات البدنية عنهم ، وامتناع حصول اللذة الحسية والنفع الجسماني وانقلابهما حسرات وآلاما وضررا وخسرانا . قد زالت اللذات والشهوات ، وبقيت العقوبات والتبعات . فكل يمقت صاحبه ويبغضه . لأنه يرى ما به من العذاب ، منه وبسببه . ثم استثنى المتقين المتناولين للقسمين الباقيين لقلتهم ، كما قال{[2]} { وقليل ما هم } {[3]} { وقليل من عبادي الشكور } ولعمري ، إن القسم الأول أعز من الكبريت الأحمر . وهم الكاملون في التقوى ، البالغون إلى نهايتها ، الفائزون بجميع مراتبها . ويليهم القسم الثاني . وكلا القسمين ، لاشتراكهما في طلب مرضاة الله وطلب ثوابه واجتناب سخطه وعقابه ، نسبهم سبحانه إلى نفسه بقوله : { يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون 28 } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.