ثم بين ما للفريقين فقال{ إنا أعتدنا للكافرين سلاسل } يعني : في جهنم . قرأ أهل المدينة والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : سلاسلاً وقواريراً قوارير بالألف في الوقف ، وبالتنوين في الوصل فيهن جميعاً ، وقرأ حمزة ويعقوب بلا ألف في الوقف ، ولا تنوين في الوصل فيهن ، وقرأ ابن كثير قوارير الأولى بالألف في الوقف وبالتنوين في الوصل ، وسلاسل وقوارير الثانية بلا ألف ولا تنوين وقرأ أبو عمر ، وابن عامر وحفص سلاسلاً وقواريراً الأولى بالألف في الوقف على الخط وبغير تنوين في الوصل ، وقوارير الثانية بغير ألف ولا تنوين . قوله { وأغلالاً } يعني : في أيديهم ، تغل إلى أعناقهم ، { وسعيراً } وقوداً شديداً .
ثم بين - سبحانه - بعد هذه الهداية ، ما أعده لفريق الكافرين ، وما أعده لفريق الشاكرين ، فقال - تعالى - :
{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ . . . } .
قوله - سبحانه - : { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ . . } كلام مستأنف لبيان جزاء الكافرين بعد أن تطلعت إليه النفس ، بعد سماعها لقوله - تعالى - : { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } وابتداء - سبحانه - بذكر جزاء الكافر ، لأن ذكره هو الأقرب ولأن الغرض بيان جزائه على سبيل الإِجمال ، ثم تفصيل القول بعد ذلك فى بيان جزاء المؤمنين .
والسلاسل : جمع سلسلة ، وهى القيود المصنوعة من الحديد والتى يقيد بها المجرمون . وقد قرأ بعض القراء السبعة هذا اللفظ بالتنوين ، وقرأه آخرون بدون تنوين .
والأغلال : جمع غل - بضم الغين - وهو القيد الذى يقيد به المذنب ويكون فى عنقه ، قال - تعالى - : { إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ . فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ } والمعنى : إنا أعتدنا وهيأنا للكافرين سلاسل يقادون بها ، وأغلالا تجمع بها أيديهم إلى أعناقهم على سبيل الإِذلال لهم ، وهيأنا لهم - فوق ذلك - ناراً شديدة الاشتعال تحرق بها أجسادهم .
ومن ثم يأخذ في عرض ما ينتظر الإنسان بعد الابتلاء ، واختياره طريق الشكر أو طريق الكفران .
فأما ما ينتظر الكافرين ، فيجمله إجمالا ، لأن ظل السورة هو ظل الرخاء الظاهر في الصورة والإيقاع . وظل الهتاف المغري بالنعيم المريح . فأما العذاب فيشير إليه في إجمال :
( إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا ) . .
سلاسل للأقدام ، وأغلالا للأيدي ، ونارا تتسعر يلقى فيها بالمسلسلين المغلولين !
و { أعتدنا } معناه أعددناه ، وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم «سلاسلاً » بالصرف وهذا على ما حكاه الأخفش من لغة من يصرف كل ما يصرف إلا أفعل{[11498]} وهي لغة الشعراء .
ثم كثر حتى جرى في كلامهم ، وقد علل بعلة وهي أنه لما كان هذا الضرب من الجموع يجمع لشبه الآحاد فصرف ، وذلك من شبه الآحاد موجود في قولهم صواحب وصاحبات وفي قول الشاعر [ الفرزدق ] : [ الكامل ]
نواكسي الأبصار{[11499]}*** بالياء جمع نواكس ، وهذا الأجراء في «سلاسلاً وقواريراً » أثبت في مصحف ابن مسعود ومصحف أبيّ بن كعب ومصحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة{[11500]} ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة «سلاسلَ » ، على ترك الصرف في الوقف والوصل ، وهي قراءة طلحة وعمرو بن عبيد ، وقرأ أبو عمرو وحمزة فيما روي عنهما : «سلاسل » في الوصل و «سلاسلاً » دون تنوين في الوقف ، ورواه هشام عن ابن عامر لأن العرب من يقول رأيت عمراً يقف بألف ، وأيضاً فالوقوف ، بالأف «سلاسلا » اتباع لخط المصحف .