فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

ثم بيّن سبحانه ما أعدّ للكافرين فقال : { إِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين سلاسلاً وأغلالا وَسَعِيراً } قرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وهشام عن ابن عامر : «سلاسلاً » بالتنوين ، ووقف قنبل عن ابن كثير وحمزة بغير ألف ، والباقون وقفوا بالألف . ووجه من قرأ بالتنوين في سلاسل مع كون فيه صيغة منتهى الجموع أنه قصد بذلك التناسب لأن ما قبله وهو { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } ، وما بعده وهو { أغلالاً وَسَعِيراً } منوّن ؛ أو على لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف ، كما حكاه الكسائي وغيره من الكوفيين عن بعض العرب . قال الأخفش : سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف ، لأن الأصل في الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها . قال الفراء : هو على لغة من يجرّ الأسماء كلها إلاّ قولهم : هو أظرف منك فإنهم لا يجرّونه ، وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول عمرو بن كلثوم :

كأن سيوفنا فينا وفيهم *** مخاريق بأيدي لاعبينا

ومن ذلك قول الشاعر :

وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم *** خضع الرقاب نواكس الأبصار

بكسر السين من نواكس ، وقول لبيد :

وحسور أستار دعوني لحتفها *** بمعالق متشابه أعلاقها

وقوله أيضاً :

فضلاً وذو كرم يعين على الندى *** سمح لشوب رغائب غنامها

وقيل : إن التنوين لموافقة رسم المصاحف المكية والمدنية والكوفية فإنها فيها بالألف . وقيل : إن هذا التنوين بدل من حرف الإطلاق ، ويجري الوصل مجرى الوقف ، والسلاسل قد تقدّم تفسيرها ، والخلاف فيها هل هي القيود ، أو ما يجعل في الأعناق ، كما في قول الشاعر :

. . . ولكن *** أحاطت بالرقاب السلاسل والأغلال

جمع غلّ تغلّ به الأيدي إلى الأعناق ، والسعير : الوقود الشديد ، وقد تقدّم تفسير السعير .

/خ12