السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

ولما قسمهم إلى قسمين ذكر جزاء كل فريق فقال تعالى : { إنا } أي : على ما لنا من العظمة { أعتدنا } أي : هيأنا وأحضرنا بشدّة وغلظة { للكافرين } أي : العريقين في الكفر خاصة وقدم الأسهل في العذاب فالأسهل فقال تعالى : { سلاسلا } جمع سلسلة أي : يقادون ويوثقون بها { وأغلالاً } أي : في أعناقهم تشد فيها السلاسل فتجمع أيديهم إلى أعناقهم { وسعيراً } أي : ناراً حامية جداً شديدة الاتقاد .

وقرأ نافع وهشام وشعبة والكسائي سلاسلاً وصلاً بالتنوين والباقون بغير تنوين وأما الوقف على الثانية فوقف عليها بغير ألف قنبل وحمزة ، ووقف البزي وابن ذكوان وحفص بغير ألف وبالألف ، ووقف الباقون بالألف ولا وقف على الأولى والرسم بالألف . أمّا من نوّن سلاسل فوجه بأوجه منها أنه قصد بذلك التناسب لأنّ ما قبله وما بعده منوّن منصوب . ومنها أن الكسائي وغيره من أهل الكوفة حكوا عن بعض العرب أنهم يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا أفضل منك . وقال الأخفش : سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف لأنّ الأصل في الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها . وروي عن بعضهم أنه يقول : رأيت عمراً بالألف يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأيضاً هذا الجمع قد جمع وإن كان قليلاً ، قالوا صواحب وصواحبات . وفي الحديث : «إنكن صواحبات يوسف » ومنها أنه مرسوم في الإمام أي : مصحف الحجاز والكوفة بالألف ، رواه أبو عبيدة ورواه قالون عن نافع ، وروى بعضهم ذلك عن مصاحف البصرة أيضاً .

وقال الزمخشري : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون هذا التنوين بدلاً من حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف ، والثاني : أن يكون صاحب هذه القراءة ممن ضرى برواية الشعر ومرّن لسانه على صرف غير المنصرف ا . ه . قال بعض المفسرين : وفي هذه العبارة فظاظة وغلظة لاسيما على مشايخ الإسلام وأئمة العلماء الأعلام ، وأما من لم ينوّنه فوجهه ظاهر لأنه على صيغة منتهى الجموع وقولهم : قد جمع نحو صواحبات لا يقدح لأنّ المحذور جمع التكسير ، وهذا جمع تصحيح ، وأما من لم يقف بالألف فواضح .