اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا} (4)

قوله تعالى : { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ } .

قرأ نافع والكسائي{[58824]} ، وهاشم وأبو بكر ، «سَلاسِلاً » والباقون : بغير تنوين .

ووقف هؤلاء ، وحمزة ، وقنبل عليه بالألف بلا خلاف .

وابن ذكوان والبزي وحفص : بالألف وبدونها - يعني بلا ألف - والباقون : وقفوا بالألف بلا خلاف .

فقد تحصّل من هذا أن القراء على أربع مراتب ، منهم من ينون وصلاً ويقف بالألف وقفاً بلا خلاف وهما حمزة وقنبل ، ومنهم من لم ينون ويقف بالألف بلا خلاف ، وهو أبو عمرو وحده ، ومنهم من لم ينون ويقف بالألف تارة وبدونها أخرى ، وهم ابن ذكوان وحفص والبزي ، فهذا ضبط ذلك .

فأما التنوين في «سَلاسِل » فذكروا له أوجهاً :

منها : أنه قصد بذلك التناسب ؛ لأن ما قبله وما بعده منون منصوب .

ومنها : أن الكسائي وغيره من أهل «الكوفة » حكوا عن بعض العرب أنهم يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا «أفعل منك » .

قال الأخفش : سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف ؛ لأن الأصل في الأسماء الصرف ، وترك الصرف لعارض فيها ، وأن هذا الجمع قد جمع وإن كان قليلاً قالوا : «صواحب وصواحبات » ، وفي الحديث : «إنَّكُنَّ لصَواحِباتُ يُوسُف »{[58825]} ؛ وقال : [ الرجز ]

5028- *** قَدْ جَرتِ الطَّيْرُ أيَامِنينَا{[58826]}***

فجمع «أيامن » جمع تصحيح المذكر .

وأنشدوا : [ الكامل ]

5029- وإذَا الرِّجالُ رَأوا يَزيدَ رَأيْتهُمْ *** خُضعَ الرِّقابِ نَواكِس الأبْصَارِ{[58827]}

بكسر السين من «نواكس » وبعدها ياء تظهر خطًّا لا لفظاً لالتقاء الساكنين ، وهذا على رواية كسر السين ، والأشهر فيها نصب السين ، فلما جمع شابه المفردات فانصرف .

ومنها : أنه مرسوم في إمام «الحِجَاز » و«الكوفة » بالألف ، رواه أبو عبيد ، ورواه قالون عن نافع ، وروى بعضهم ذلك عن مصاحف «البصرة » أيضاً .

وقال الزمخشري : فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون هذه النون بدلاً من حرف الإطلاق ، ويجري الوصل مجرى الوقف .

والثاني : أن يكون صاحب هذه القراءة ممن ضري برواية الشعر ومرن لسانه على صرف ما لا ينصرف .

قال شهاب الدين{[58828]} : «وفي هذه العبارة فظاظة وغلظة ، لا سيما على مشيخة الإسلام ، وأئمة العلماء الأعلام ، ووقف هؤلاء بالألف ظاهر » .

وأما لمن لم ينونه فظاهر ، لأنه على صيغة منتهى الجموع .

وقولهم : قد جمع نحو «صواحبات ، وأيامنين » لا يقدح ؛ لأن المحذور جمع التكسير ، وهذا جمع تصحيح ، وعدم وقوفهم بالألف واضح أيضاً . وأما من لم ينون ووقف بالألف فاتباعاً للرسم الكريم كما تقدم .

وأيضاً : فإن الروم في المفتوح لا يجوزه القراء ، والقارئ قد يبين الحركة في وقفه فأتوا بالألف ليبين منها الفتحة .

وروي عن بعضهم أنه يقول : «رَأيْتُ عُمَراً » بالألف ، يعني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والسلاسل : جمع سلسلة وهي القيود في جهنم ، وقد تقدم الكلام عنها في سورة «الحاقة » .

فصل

اعلم أنه بيّن -هاهنا- حال الفريقين ، وأنه تعبد العقلاء ، وكلّفهم ومكّنهم مما أمرهم فمن كفر فله العقاب ، ومن وحد وشكر فله الثَّواب ، والاعتداد هو اعتداد الشَّيء حتى يكون عتيداً حاضراً متى احتيج إليه ، كقوله تعالى : { هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } [ ق : 23 ] ، والأغلال : جمع غل ، تغلّ بها أيديهم إلى أعناقهم . وقد تقدم الكلام في السعير أيضاً .


[58824]:ينظر: الحجة 6/348، وإعراب القراءات 2/419-420، وحجة القراءات 437.
[58825]:تقدم.
[58826]:ينظر الخصائص 3/236، وسمط اللآلىء 1/681، والدر المصون 6/439.
[58827]:البيت للفرزدق في ديوانه 1/266؛ وجمهرة اللغة ص 607؛ وخزانة الأدب 1/206؛ وشرح أبيات سيبويه 2/367؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 39؛ وشرح شواهد الشافية ص 142؛ وضرح المفضل 5/56؛ والكتاب 3/633؛ ولسان العرب (نكس)، (خضع)؛ والمقتضب 1/121، 2/219.
[58828]:ينظر الدر المصون 6/439.