قوله تعالى : { فتول عنهم } أي : أعرض عنهم نسختها آية القتال . قيل : ها هنا وقف تام . وقيل : { فتول عنهم يوم يدع الداع } أي : إلى يوم يدع الداعي ، قال مقاتل : هو إسرافيل ينفخ قائماً على صخرة بيت المقدس ، { إلى شيء نكر } منكر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاماً ، قرأ ابن كثير : { نكر } بسكون الكاف ، والآخرون بضمها .
والفاء فى قوله - تعالى - : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ } للتفريع على ما تقدم ، وهى تفيد السببية .
وقوله : { يَوْمَ يَدْعُ الداع } ظرف لقوله : { يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث } والداع : هو إسرافيل - عليه السلام - الذى ينفخ فى الصور بأمر الله - تعالى - .
والمراد بالنكر : الأمر الفظيع الهائل ، الذى لم تألفه النفوس ، ولم تر له مثيلا فى الشدة .
أى : إذا كان هذا حالهم من عدم إغناء النذر فيهم ، فتول عنهم - أيها الرسول الكريم - ، ولا تبال بهم ، واتركهم فى طغيانهم يعمهون ، وانتظر عليهم إلى اليوم الذى يدعوهم فيه الداعى ، إلى أمر فظيع عظيم ، تنكره النفوس ، لعدم عهدهم بمثله ، وهو يوم البعث والنشور .
قال الجمل : وقوله : { يَوْمَ يَدْعُ الداع } منصوب إما باذكر مضمرا . . . . وإما بيخرجون . . .
وحذفت الواو من " يدع " لفظا لالتقاء الساكنين ، ورسما تبعا للفظ ، وحذفت الياء من { الداع } للتخفيف . . . . والداع هو إسرافيل .
القول في تأويل قوله تعالى : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ( 6 )
يعني تعالى ذكره بقوله ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ) : فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين من قومك ، الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سِحْر مستمرّ ، فإنهم يوم يدعو داعي الله إلى موقف القيامة ، وذلك هو الشيء النُّكُر .
{ فتول عنهم } لعلمك بأن الإنذار لا يغني فيهم . { يوم يدع الداع } إسرافيل ، ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله : { كن فيكون } وإسقاط الياء إكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب { يوم } ب { يخرجون } أو بإضمار اذكر . { إلى شيء نكر } فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة ، وقرأ ابن كثير بالتخفيف ، وقرئ " نكرا " بمعنى أنكر .
ثم سلى نبيه بقوله : { فتول عنهم } أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وتم القول في قوله : { عنهم } ثم ابتدأ وعيدهم ، والعامل في { يوم } قوله : { يخرجون } .
و : { خشعاً } حال من الضمير في { يخرجون } وتصرف الفعل يقتضي تقدم الحال ، قال المهدوي : ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { عنهم } . قال الرماني المعنى : { فتول عنهم } واذكر { يوم } . وقال الحسن المعنى : { فتول عنهم } إلى { يوم } ، وانحذفت الواو من { يدع } لأن كتبة المصحف اتبعوا اللفظ لا ما يقتضيه الهجاء ، وأما حذف الياء من : { الداع } ونحوه ، فقال سيبويه : حذفوه تخفيفاً . وقال أبو علي : حذفت مع الألف واللام إذ هي تحذف مع معاقبهما وهو التنوين .
وقرأ جمهور الناس : «نكُر » بضم الكاف . وقرأ ابن كثير وشبل والحسن : «نكِر » بكسر الكاف ، وقرأ مجاهد والجحدري وأبو قلابة : «نُكِرَ » بكسر الكاف وفتح الراء على أنه فعل مبني للمفعول ، والمعنى في ذلك كله أنه منكور غير معروف ولا مرئي مثله . قال الخليل : النكر : نعت للأمر الشديد والرجل الداهية . وقال مالك بن عوف النصري : [ الرجز ]
أقدم محاج إنه يوم نكر . . . مثلي على مثلك يحمى ويكر{[10757]}
ونكر فعل وهو صفة ، وذلك قليل في الصفات ، ومنه مشية سجح وقال الشاعر [ حسان بن ثابت الأنصاري ] : [ البسيط ]
دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحاً . . . إن الرجال ذوو عصب وتذكير{[10758]}