المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

67- اطمأن يعقوب إلى عهد أبنائه ، ثم دفعته الشفقة عليهم إلا أن يوصيهم عند دخولهم مصر بأن يدخلوا من أبواب متفرقة ، لكيلا يلفتوا الأنظار عند دخولهم ، ولا تترقبهم الأعين ، وقد يكون ما يسيئهم ، وليس في قدرتي أن أدفع عنكم أذى ، فالدافع للأذى هو الله وله - وحده - الحكم ، وقد توكلت عليه وفوضت إليه أمري وأمركم ، وعليه - وحده - يتوكل الذين يفوضون أمورهم إليه مؤمنين به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

قوله تعالى : { وقال } ، لهم يعقوب لما أردوا الخروج من عنده ، { يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } ، وذلك أنه خاف عليهم العين ، لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوة وامتداد قامة ، وكانوا ولد رجل واحد ، فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين ، فإن العين حق ، وجاء في الأثر : إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر . وعن إبراهيم النخعي : أنه قال ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرق . والأول أصح . ثم قال : { وما أغني عنكم من الله من شيء } ، معناه : إن كان الله قضى فيكم قضاء فيصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرقين ، فإن المقدور كائن والحذر لا ينفع من القدر ، { إن الحكم } ، ما الحكم ، { إلا لله } ، هذا تفويض يعقوب أموره إلى الله ، { عليه توكلت } ، اعتمدت ، { وعليه فليتوكل المتوكلون } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما وصى به يعقوب أبناءه عند سفرهم فقال { وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ . . . } .

أى : وقال يعقوب - الأب العطوف - لأبنائه وهو يودعهم : يا بنى إذا وصلتم إلى مصر ، فلا تدخلوا كلكم من باب واحد ، وأنتم أحد عشر رجلاً بل ادخلوا من أبوابها المتفرقة ، بحيث يدخل كل اثنين أو ثلاثة من باب .

قالوا : وكانت أبواب مصر في ذلك الوقت أربعة أبواب .

وقد ذكر المفسرون أسباباً متعددة لوصية يعقوب هذه لأبنائه ، وأحسن هذه الأسباب ما ذكره الآلوسى في قوله : نهاهم عن الدخول من باب واحد ، حذراً من إصابة العين ، أى من الحسد ، فإنهم كانوا ذوى جمال وشارة حسنة . . فكانوا مظنة لأن يعانوا - أى لأن يحسدوا - إذا ما - دخلوا كوكبة واحدة . . .

ثم قال : والعين حق ، كما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصح أيضاً بزيادة " ولو كان شئ يسبق القدر سبقته العين " .

وقد ورد أيضاً : " إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر " .

وقيل : إن السبب في وصية يعقوب لأبنائه بهذه الوصية ، خوفه عليهم من أن يسترعى عددهم حراس مدينة مصر إذا ما دخلوا من باب واحد ، فيترامى في أذهانهم أنهم جواسيس أو ما شابه ذلك ، فربما سجنوهم ، أو حالوا بينهم وبين الوصول إلى يوسف - عليه السلام - . . .

وقوله { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ } اعتراف منه - عليه السلام - بأن دخولهم من الأبواب المتفرقة ، لن يحول بينهم وبين ما قدره - تعالى - وأراده لهم ، وإنما هو أمرهم بذلك من باب الأخذ بالأسباب المشروعة .

أى : وإنى بقولى هذا لكم ، لا أدفع عنكم شيئا قدره الله عليكم ، ولو كان هذا الشئ قليلا .

{ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ } أى : ما الحكم في كل شئ إلى لله - تعالى - وحده لا ينازعه في ذلك منازع . ولا يدافعه مدافع .

{ وعليه } وحده { توكلت } في كل أمورى .

{ وعليه } وحده { فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون } أى المريدون للتوكل الحق ، والاعتماد الصدق الذي لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأمر بها .

إذ أن كلا من التوكل والأخذ بالأسباب مطلوب من العبد ، إلا أن العاقل عندما يأخذ في الأسباب يجزم بأن الحكم لله وحده في كل الأمور ، وأن الأسباب ما هي إلا أمور عادية ، يوجد الله - تعالى - معها ما يريد إيجاده ، ويمنع ما يريد منعه ، فهو الفعال لما يريد .

ويعقوب - عليه السلام - عندما أوصى أبناءه بهذه الوصية ، أرادبها تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه ، مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة تأدباً مع الله - تعالى - واضع الأسباب ومشرعها . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

54

وبعد هذا الموثق جعل الرجل يوصيهم بما خطر له في رحلتهم القادمة ومعهم الصغير العزيز :

( وقال : يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة . وما أغني عنكم من الله من شيء . إن الحكم إلا لله ، عليه توكلت ، وعليه فليتوكل المتوكلون ) . .

ونقف هنا أمام قول يعقوب - عليه السلام - :

( إن الحكم إلا لله ) .

وواضح من سياق القول أنه يعني هنا حكم الله القدري القهري الذي لا مفر منه ولا فكاك . وقضاءه الإلهي الذي يجري به قدره فلا يملك الناس فيه لأنفسهم شيئا .

وهذا هو الإيمان بالقدر خيره وشره .

وحكم الله القدري يمضي في الناس على غير إرادة منهم ولا اختيار . . وإلى جانبه حكم الله الذي ينفذه الناس عن رضى منهم واختيار . وهو الحكم الشرعي المتمثل في الأوامر والنواهي . . وهذا كذلك لا يكون إلا الله . شأنه شأن حكمه القدري ، باختلاف واحد : هو أن الناس ينفذونه مختارين أو لا ينفذونه . فيترتب على هذا أو ذاك نتائجه وعواقبه في حياتهم في الدنيا وفي جزائهم في الآخرة . ولكن الناس لا يكونون مسلمين حتى يختاروا حكم الله هذا وينفذوه فعلا راضين . .