ثم بين من له الحق في الفيء فقال :{ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً } رزقاً { من الله ورضواناً } أي خرجوا إلى دار الهجرة طلباً لرضا الله عز وجل ، { وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } في إيمانهم . قال قتادة : هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حباً لله ولرسوله ، واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة ، حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها .
أخبرنا محمد بن الحسن المروزي ، أنبأنا أبو العباس الطحان ، أنبأنا أبو أحمد ابن محمد بن قريش بن سليمان ، أنبأنا علي بن عبد العزيز المكي ، أنبأنا أبو عبيد القاسم ابن سلام ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية ابن خالد بن عبد الله بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين . قال أبو عبيد : هكذا قال عبد الرحمن وهو عندي أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد . وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة ، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم ، وذلك مقدار خمسمائة سنة ) .
ثم أثنى - سبحانه - على المهاجرين الذين فارقوا أموالهم وعشيرتهم ، من أجل إعلاء كلمته - تعالى - فقال : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أولئك هُمُ الصادقون } .
قال الإمام الرازى : اعلم أن هذا بدل من قوله - تعلاى - : { وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل . . } كأنه قيل : أعنى بأولئك الأربعة ، هؤلاء الفقراء المهاجرين الذين من صفتهم كذا وكذا .
ثم إنه - تعالى - وصفهم بأمور ، أولها : أنهم فقراء ، ثانيها : أنهم مهاجرون وثالثها : أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، يعنى أن الكفار أجبروهم على الخروج . . . ورابعها : أنهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، والمراد بالفضل ثواب الجنة ، وبالرضوان : قوله : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ } وخامسها : قوله : { وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ } أى : بأنفسهم وأموالهم .
وسادسها : قوله : { أولئك هُمُ الصادقون } يعنىأنهم لما هجروا لذَّات الدنيا وتحملوا شدائدها لأجل الدين ، ظهر صدقهم فى دينهم . .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف المهاجرين فى سبيله ، بجملة من المناقب الحميدة . التى استحقوا بسببها الفلاح والفوز برضوان الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ } .
يقول تعالى ذكره : كيلا يكون ما أفاء الله على رسوله دُولة بين الأغنياء منكم ، ولكن يكون للفقراء المهاجرين . وقيل : عُني بالمهاجرين : مهاجرة قريش .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ من قريظة جعلها لمهاجرة قريش .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، قالا : كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحجّ عليها ويغزو ، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء ، وجعل لهم سهما في الزكاة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله للْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ الّذِينَ أُخُرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ . . . إلى قوله أولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ قال : هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر ، خرجوا حبا لله ولرسوله ، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدّة ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها .
وقوله : { الّذِينَ أخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأمْوَالِهِمْ } ، وقوله : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللّهِ وَرِضْوَانا }موضع يبتغون نصب ، لأنه في موضع الحال وقوله : { وَيَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } يقول : وينصرون دين الله الذي بعث به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم . وقوله : { أولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ }يقول : هؤلاء الذين وصف صفتهم من الفقراء المهاجرين هم الصادقون فيما يقولون .
{ للفقراء المهاجرين }بدل من لذي القربى و ما عطف عليه فإن الرسول لا يسمى فقيرا ومن أعطى أغنياء ذوي القربى خصص الإبدال بما بعده ، والفيء بفيء بني النضير ، { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم }فإن كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم ، { يبتغون فضلا من الله ورضوانا }حال مقيدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم ، { وينصرون الله ورسوله } بأنفسهم وأموالهم ، { أولئك هم الصادقون }في إيمانهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.