المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

84- ولقد أرسلنا إلى قوم مدين{[96]} أخاهم في النسب والمودة والتراحم شُعيبا ، قال لهم : يا قوم اعبدوا الله - وحده - ليس لكم من يستحق العبادة غيره ، ولا تنقصوا المكيال والميزان حين تبيعون لغيركم ما يُكال ويُوزن ، إني أراكم يرجى منكم الخير ، بالشكر والطاعة لله ، وإعطاء الناس حقوقهم كاملة ، وإني أخاف عليكم إذا لم تشكروا خيره وتطيعوا أمره ، أن يحل بكم عذاب يوم لا تستطيعون أن تفلتوا من أهواله ، لأنها تحيط بالمعذبين فيها فلا يجدون سبيلا إلى الخلاص منها .


[96]:هاتان الآيتان نص على اعتبار نقص المكيال والميزان جريمة، وهذا يقتضي أنها معاقب عليها شرعا، والعقاب بالتعزير، ويقابل هذا في التشريعات الوضعية ما يسمى جريمة تزوير المكيال أو الميزان التي حدد القانون الوضعي عقوبة لها، وهذا من القرآن الكريم وسيلة من وسائل حماية المال. أرض مدين واقعة بين شمال الحجاز وجنوب الشام، وكان فيها مكان كثيف الأشجار يسمى الأيكة، وقد أرسل اله عليهم عقابا شديدا بسبب عصيانهم.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

قوله تعالى : { وإلى مدين } ، أي : وأرسلنا إلى ولد مدين ، { أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان } ، أي : لا تبخسوا ، وهم كانوا يطفقون مع شركهم ، { إني أراكم بخير } ، قال ابن عباس : موسرين في نعمة . وقال مجاهد : في خصب وسعة ، فحذرهم زوال النعمة ، وغلاء السعر ، وحلول النقمة ، إن لم يتوبوا . فقال : { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } ، يحيط بكم فيهلككم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك فقصت علينا ما كان بين شعيب - عليه السلام - وقومه وكيف أنه دعاهم إلى عبادة الله - تعالى - وحده بأسلوب بليغ حكيم ، ولكنهم لم يستجيبوا له ، فكانت عاقبتهم الهلاك كالذين من قبلهم قال - تعالى - :

{ وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . }

تلك هى قصة شعيب - عليه السلام - كما حكتها هذه السورة الكريمة ، وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى منها : سورتى الأعراف والشعراء . .

ومدين اسم للقبيلة التى تنتسب إلى مدين بن إبراهيم - عليه السلام - .

وكانوا يسكنون فى المنطقة التى تسمى ( معان ) وتقع بين حدود الحجاز والشام .

وأهل مدين يسمون أيضاً بأصحاب الأيكة .

والأيكة : منطقة مليئة بالشجر كانت مجاورة لقرية ( معان ) ، وكان يسكنها بعض الناس فأرسل الله شعيباً إليهم جميعاً .

وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم ، فهو أخوهم فى النسب .

وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر شعيب قال : " ذلك خطيب الأنبياء " لحسن مراجعته لقومه ، وقوة حجته .

وكان قومه يعبدون الأصنام . ويطففون فى الكيل والميزان . . . فدعاهم إلى عبادة الله وحده ، ونهاهم عن الخيانة وسوء الأخلاق .

ويرى بعض العلماء : أن شعيباً أرسل إلى أمتين : أهل مدين الذين أهلكوا بالصيحة ؛ وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة ، وأن الله - تعالى - لم يبعث نبياً مرتين سوى شعيب - عليه السلام - .

ولكن المحققين من العلماء اختاروا أنهما أمة واحدة ، فأهل مدين هم أصحاب الأيكة ، أخذتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة - أى السحابة - وأن كل عذاب كان كالمقدمة للآخر .

هذا ، وقوله - سبحانه - { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . } معطوف على ما سبقه من قصة صالح - عليه السلام - عطف القصة على القصة .

أى : وكما أرسلنا صالحاً - عليه السلام - إلى ثمود ، فقد أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيباً - عليه السلام - فقال لهم مقالة كل نبى لقومه : يا قوم اعبدوا الله وحده ، فإنكم لا إله لكم على الحقيقة سواه ، فهو الذى خلقكم ، وهو الذى رزقكم ، وهو الذى إليه مرجعكم . . .

ثم بعد أن أمرهم بإخلاص العبادة لله ، نهاهم عن التطفيف فى الكيل والميزان فقال : { وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان }

والمكيال والميزان : اسمان للآلة التى يكال بها ويوزن .

ونقص الكيل والميزان يكون من وجهين : أحدهما أن يكون الاستنقاص من جهتهم إذا باعوا لغيرهم .

وثانيهما : أن يكون الاستنقاص من جهة غيرهم إذا اشتروا منه ، بأن يأخذوا منه أكثر من حقهم .

فكأنه - عليه السلام - يقول لهم : لا تنقصوا المكيال والميزان لا عند الأخذ ولا عند الإعطاء ، فلا تعطوا غيركم أقل من حقه إذا بعتم ، ولا تأخذوا منه أكثر من حقكم إذا اشتريتم .

وإلى هذين الأمرين أشار قوله - تعالى - { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ . الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . . . } ثم بين لهم الأسباب التى دعته إلى أمرهم ونهيهم فقال : { إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } .

والخير : كلمة جامعة لكل ما يرضى الإِنسان ويغنيه ويسره .

ومحيط : أى شامل بحيث لا يستطيع أحد الإِفلات منه . كما يحيط الظرف بالمظروف . . .

أى : أخلصوا لله عبادتكم ، والتزموا العدل فى معاملاتكم ، فإنى أراكم تملكون الوفير من المال ، وتعيشون فى رغد من العيش ، وفى بسطة من الرزق ، ومن كان كذلك فمن الواجب عليه أن يقابل هذه النعم بالشكر لواهبها وهو الله - تعالى - وأن يستعملها استعمالاً يرضيه ، وأن يعطى كل ذى حق حقه .

وإنى - أيضاً - أخاف عليكم إذا ما تماديتم فى مخالففة ما آمركم به وما أنهاكم عنه ، عذاب يوم أهواله وآلامه شاملة لكل ظالم ، بحيث لا يستطيع أن يهرب منها . . .

قال الشوكانى : وصف - سبحانه - اليوم بالإِحاطة ، والمراد العذاب لأن العذاب واقع فى اليوم ، ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم ، أنهم لا يشذ منهم أحد عنه ، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا .

فأنت ترى أن شعيباً - عليه السلام - بعد أن أمرهم بما يصلح عقيدتهم ونهاهم عما يفسد معاملاتهم وأخلاقهم . . ذكرهم بما هم فيه من نعمة وغنى قطعاً لعذرهم حتى لا يقولوا له نحن فى حاجة إلى تطفيف المكيال والميزان لفقرنا ، ثم أخبرهم بأنه ما حمله على هذا النصح لهم إلا خوفه عليهم .