وقوله تعالى : { سواء عليهم } الآية ، روي أنه لما نزلت : { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر لهم }{[11113]} [ التوبة : 80 ] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأزيدن على السبعين »{[11114]} ، وفي حديث آخر : «لو علمت أني إن زدت على السبعين غفر لهم لزدت »{[11115]} ، فكأنه عليه السلام رجا أن هذا الحد ليس على جهة الحتم جملة ، بل على أن ما يجاوزه يخرج عن حكمه ، فلما فعل ابن أبي وأصحابه ما فعلوا شدد الله تعالى عليهم في هذه السورة ، وأعلم أنه لن يغفر لهم دون حد في الاستغفار{[11116]} ، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو أعلم أني إن زدت غفر لهم » نص على رفض دليل الخطاب{[11117]} .
وقرأ جمهور الناس : «أستغفرت » بالقطع وألف الاستفهام ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : «آستغفرت » بمدّ على الهمزة وهي ألف التسوية ، وقرأ أيضاً : بوصل الألف دون همز على الخبر ، وفي هذا كله ضعف لأنه في الأولى : أثبت همزة الوصل ، وقد أغنت عنها همزة الاستفهام ، وفي الثانية : حذف همزة الاستفهام وهو يريدها وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر .
{ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ }
جملة معترضة بين حكاية أحوالهم نشأت لمناسبة قوله : { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } [ المنافقون : 5 ] الخ .
واعلم أن تركيب : سواء عليه أكذا أم كذا ، ونحوه مما جرى مجرى المثل فيلزم هذه الكلمات مع ما يناسبها من ضمائر المخبر عنه . ومدلوله استواء الأمرين لدى المجرور بحرف ( على ) ، ولذلك يعقَّب بجملةٍ تبين جهة الاستواء كجملة { لن يغفر الله لهم } . وجملة { لا يؤمنون } في سورة [ البقرة : 6 ] . وقوله : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } في سورة [ يس : 10 ] وأما ما ينسب إلى بُثينة في رثاء جَميل بن معمر من قولها :
سَواء عَلَينا يا جميلُ بنَ معمر *** إذا مِتَّ بأساءُ الحياةِ ولينُها
فلا أحسبه صحيح الرواية . وسواء اسم بمعنى مساو يعامل معاملة الجامد في الغالب فلا يتغير خبره نقول : هما سواء ، وهم سواء . وشذ قولهم : سِواءَيْن .
و ( على ) من قوله : عليهم } بمعنى تَمكُّن الوصف . فالمعنى : سواء فيهم .
وهمزة { أستغفرت لهم } أصلها همزة استفهام بمعنى : سواء عندهم سُؤال السائل عن وقوع الاستغفار لهم وسؤالُ السائل عن عدم وقوعه . وهو استفهام مجازي مستعمل كناية عن قلة الاعتناء بكلا الحالين بقرينة لفظ سواء ولذلك يسمي النُحَاة هذه الهمزة التسوية . وتقدم عند قوله تعالى : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } في سورة [ البقرة : 6 ] ، أي سواء عندهم استغفارك لهم وعدمه . ف ( على ) للاستعلاء المجازي الذي هو التمكن والتلبس فتؤول إلى معنى ( عند ) كما تقول سَواء عليَّ أرضيت أم غَضبت وقوله تعالى : { قالوا سواء علينا أوَعَظْتَ أم لم تكن من الواعظين } في سورة [ الشعراء : 136 ] .
وجملة لن يغفر الله لهم } معترضة بين جملة { سواء عليهم } وجملة { هم الذين يقولون } [ المنافقون : 7 ] وهي وعيد لهم وجزاء على استخفافهم بالاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين } .
جملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً عن حال من أحوالهم .
وجملة { إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } تعليل لانتفاء مغفرة الله لهم بأن الله غضب عليهم فحرمهم اللطف والعناية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.