اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (6)

قوله : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } .

قرأ العامَّة : «أسْتَغْفَرْتَ » بهمزةٍ مفتوحةٍ من غير مدٍّ ، وهي همزة التسوية التي أصلُها الاستفهامُ .

وقرأ يزيد{[56781]} بن القعقاع : «آسْتغَفرْتَ » بهمزة ثم ألف .

فاختلف الناسُ في تأويلها :

فقال الزمخشري{[56782]} : إشباعاً لهمزة الاستفهام للإظهار والبيانِ لا قلباً لهمزة الوصل كما في { آلسَّحْرُ }[ يونس : 81 ] و { آللّهُ }[ يونس : 59 ] .

يعني إنما أشبع همزة التسوية فتولد منها ألف .

وقصده بذلك إظهار الهمزة وبيانها ، إلا أنه قلب الوصل ألفاً كما قلبها في قوله : { آلسحر ، آلله أذن لكم } لأنَّ هذه الهمزة للوصل ، فهي تسقط في الدرج ، وأيضاً فهي مكسورة فلا يلتبس معها الاستفهام بالخبر بخلاف «آلسّحر » ، { آللّه أذن لكم } .

وقال آخرون{[56783]} : هي عوض عن همزة الوصلِ ، كما في { ءَآلذَّكَرَيْنِ } [ الأنعام : 143 ] .

وهذا ليس بشيء ؛ لأن هذه مكسُورة فكيف تبدل ألفاً .

وأيضاً فإنما قلبناها هناك ألفاً ولم نحذفها وإن كان حذفها مستحقاً لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر ، وهنا لا لبس .

وقال ابن عطية{[56784]} : وقرأ أبو جعفر يعني يزيد بن القعقاع : «آسْتغْفَرتَ » بمدَّةٍ على الهمزة وهي ألف التسوية . وقرأ أيضاً : بوصل الألف دون همزة على الخبر ، وفي هذا كله ضعف ، لأنه في الأولى أثبت همزة الوصل وقد أغنت عنها همزة الاستفهام ، وفي الثانية حذف همزة الاستفهام ، وهو يريدُها ، وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر .

قال شهاب الدين{[56785]} : أما قراءته «استغفرت » بوصل الهمزة فرويت أيضاً عن أبي عمرو ، إلا أنه يضم ميم «عَليْهِمُ » عند وصله الهمزة لأن أصلها الضم ، وأبو عمرو يكسرها على أصل التقاءِ الساكنينِ .

وأما قوله : وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر ، فإن أراد بهذا مدَّ هذه الهمزة في هذا المكان فصحيح ، بل لا تجده أيضاً ، وإن أراد حذف همزة الاستفهامِ ، فليس بصحيح ؛ لأنه يجوز حذفها إجماعاً قبل «أم » نثراً ونظماً ، فأما دون «أم » ففيه خلاف :

والأخفش رحمه الله يجُوِّزه ، ويجعل منه { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ }[ الشعراء : 22 ] .

وقول الآخر : [ الطويل ]

4774 -[ طَرِبْتُ ومَا شَوْقاً إلى البِيضِ أطْرَبُ***ولا لَعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يلعَبُ ]{[56786]}

وقول الآخر : [ المنسرح ]

4775 - أفْرَحُ أنْ أرْزأ الكِرَامَ وأنْ***أورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاً نَبَلاَ{[56787]}

وأما قبل «أم » فكثير ، كقوله : [ الطويل ]

4776 - لَعَمْرُكَ مَا أدْرِيَ وإنْ كُنْتَ دَارِياً***بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أمْ بِثَمَانِ{[56788]}

وقد تقدمت هذه المسألة مستوفاة .

فصل في نزول هذه الآية .

قال قتادةُ : «هذه الآية نزلت بعد قوله : { استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ، وذلك أنَّها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخبرني ربي فلأزيدنهم على السبعين " ، فأنزل الله تعالى : { فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ }[ التوبة : 80 ] الآية » .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بالفاسِقينَ المُنافقُونَ{[56789]} .

فصل في تفسير الآية

معنى{[56790]} قوله : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } .

أي : كل ذلك سواء لا ينفع استغفارك شيئاً ؛ لأن الله تعالى لا يغفر لهم ، نظيره : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[ البقرة : 6 ] ، { سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين } [ الشعراء : 136 ] ، { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } .

قال ابن الخطيب{[56791]} : قال قوم : فيه بيان أن الله - تعالى - يملك هداية وراء هداية البيان ، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك .

وقيل : معناه لا يهديهم لفسقهم ، وقالت المعتزلة : لا يُسمِّيهم المهتدينَ إذا فَسَقُوا وضلُّوا .

فإن قيل : لم ذكر الفاسقين ولم يقل : الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كلاًّ منهم تقدم ذكره ؟ .

فالجواب{[56792]} : أن كل واحد منهم دخل تحت الفاسقين .


[56781]:ينظر: المحرر الوجيز 5/314، والبحر المحيط 8/269، والدر المصون 6/321.
[56782]:ينظر: الكشاف 4/543.
[56783]:ينظر: الدر المصون 6/321.
[56784]:المحرر الوجيز5/314.
[56785]:الدر المصون 6/322.
[56786]:تقدم.
[56787]:تقدم.
[56788]:تقدم.
[56789]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/104) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/337) عن ابن عباس.
[56790]:ينظر: القرطبي 18/84.
[56791]:ينظر: الفخر الرازي 30/15.
[56792]:السابق 30/16.