قوله : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } .
قرأ العامَّة : «أسْتَغْفَرْتَ » بهمزةٍ مفتوحةٍ من غير مدٍّ ، وهي همزة التسوية التي أصلُها الاستفهامُ .
وقرأ يزيد{[56781]} بن القعقاع : «آسْتغَفرْتَ » بهمزة ثم ألف .
فقال الزمخشري{[56782]} : إشباعاً لهمزة الاستفهام للإظهار والبيانِ لا قلباً لهمزة الوصل كما في { آلسَّحْرُ }[ يونس : 81 ] و { آللّهُ }[ يونس : 59 ] .
يعني إنما أشبع همزة التسوية فتولد منها ألف .
وقصده بذلك إظهار الهمزة وبيانها ، إلا أنه قلب الوصل ألفاً كما قلبها في قوله : { آلسحر ، آلله أذن لكم } لأنَّ هذه الهمزة للوصل ، فهي تسقط في الدرج ، وأيضاً فهي مكسورة فلا يلتبس معها الاستفهام بالخبر بخلاف «آلسّحر » ، { آللّه أذن لكم } .
وقال آخرون{[56783]} : هي عوض عن همزة الوصلِ ، كما في { ءَآلذَّكَرَيْنِ } [ الأنعام : 143 ] .
وهذا ليس بشيء ؛ لأن هذه مكسُورة فكيف تبدل ألفاً .
وأيضاً فإنما قلبناها هناك ألفاً ولم نحذفها وإن كان حذفها مستحقاً لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر ، وهنا لا لبس .
وقال ابن عطية{[56784]} : وقرأ أبو جعفر يعني يزيد بن القعقاع : «آسْتغْفَرتَ » بمدَّةٍ على الهمزة وهي ألف التسوية . وقرأ أيضاً : بوصل الألف دون همزة على الخبر ، وفي هذا كله ضعف ، لأنه في الأولى أثبت همزة الوصل وقد أغنت عنها همزة الاستفهام ، وفي الثانية حذف همزة الاستفهام ، وهو يريدُها ، وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر .
قال شهاب الدين{[56785]} : أما قراءته «استغفرت » بوصل الهمزة فرويت أيضاً عن أبي عمرو ، إلا أنه يضم ميم «عَليْهِمُ » عند وصله الهمزة لأن أصلها الضم ، وأبو عمرو يكسرها على أصل التقاءِ الساكنينِ .
وأما قوله : وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر ، فإن أراد بهذا مدَّ هذه الهمزة في هذا المكان فصحيح ، بل لا تجده أيضاً ، وإن أراد حذف همزة الاستفهامِ ، فليس بصحيح ؛ لأنه يجوز حذفها إجماعاً قبل «أم » نثراً ونظماً ، فأما دون «أم » ففيه خلاف :
والأخفش رحمه الله يجُوِّزه ، ويجعل منه { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ }[ الشعراء : 22 ] .
4774 -[ طَرِبْتُ ومَا شَوْقاً إلى البِيضِ أطْرَبُ***ولا لَعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يلعَبُ ]{[56786]}
4775 - أفْرَحُ أنْ أرْزأ الكِرَامَ وأنْ***أورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاً نَبَلاَ{[56787]}
وأما قبل «أم » فكثير ، كقوله : [ الطويل ]
4776 - لَعَمْرُكَ مَا أدْرِيَ وإنْ كُنْتَ دَارِياً***بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أمْ بِثَمَانِ{[56788]}
وقد تقدمت هذه المسألة مستوفاة .
قال قتادةُ : «هذه الآية نزلت بعد قوله : { استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ، وذلك أنَّها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخبرني ربي فلأزيدنهم على السبعين " ، فأنزل الله تعالى : { فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ }[ التوبة : 80 ] الآية » .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بالفاسِقينَ المُنافقُونَ{[56789]} .
معنى{[56790]} قوله : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } .
أي : كل ذلك سواء لا ينفع استغفارك شيئاً ؛ لأن الله تعالى لا يغفر لهم ، نظيره : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[ البقرة : 6 ] ، { سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين } [ الشعراء : 136 ] ، { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } .
قال ابن الخطيب{[56791]} : قال قوم : فيه بيان أن الله - تعالى - يملك هداية وراء هداية البيان ، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك .
وقيل : معناه لا يهديهم لفسقهم ، وقالت المعتزلة : لا يُسمِّيهم المهتدينَ إذا فَسَقُوا وضلُّوا .
فإن قيل : لم ذكر الفاسقين ولم يقل : الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كلاًّ منهم تقدم ذكره ؟ .
فالجواب{[56792]} : أن كل واحد منهم دخل تحت الفاسقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.