الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (6)

قوله : { أَسْتَغْفَرْتَ } : قراءةُ العامَّةُ بهمزةٍ مفتوحةٍ مِنْ غير مَدّ ، وهي همزةُ التسويةِ التي أصلُها الاستفهامُ . وقرأ يزيد ابن القعقاع " آسْتَغْفَرْت " . بهمزةٍ ثم ألفٍ ، فاختلف الناس في تأويلِها ، فقال الزمخشري : " إشْباعاً لهمزة الاستفهام للإِظهارِ والبيان ، لا قَلْباً لهمزة الوصل كما في " آلسحرُ " و " آللهُ " يعني أنه أشبع فتحةَ همزةِ التسويةِ فتولَّد منها ألفٌ ، وقَصْدُه بذلِك إظهارُ الهمزةِ وبيانُها ، لا أنه قَلَبَ الوصَل ألفاً كما قَلَبها في قولِه : " آلسحرُ " " آللهُ أَذِنَ لكم " لأنَّ هذه الهمزةَ للوَصْلَ ، فهي تَسْقُط في الدَّرْج . وأيضاً فهي مكسورةٌ فلا يَلْتبسُ معها الاستفهامُ بالخبر : بخلاف " آلسحر " و " آلله " . وقال آخرون : هي عِوَضٌ من همزةِ الوصلِ . كما في " آلذَّاكَرَيْن " وهذا ليس بشيءٍ ؛ لأنَّ هذه مكسورةٌ فكيف تُبْدَلُ ألفاً ؟ وأيضاً فإنما قَلَبْناها هناك ألفاً ولم نحذِفْها ، وإن كان حَذْفُها مُسْتحقاً ، لئلا يلتبسَ الاستفهامُ بالخبر ، وهنا لا لَبْسَ .

وقال ابن عطية : " قرأ أبو جعفر يعني يزيد بن القعقاع " آستغفرْتَ " بمَدَّة على الهمزةِ . وهي ألفُ التسوية . وقرأ أيضاً بوَصْلِ الألف دون همز على الخبر ، وفي هذا كلِّه ضَعْفٌ ؛ لأنه في الأولى أثبت هَمزةَ الوصلِ ، وقد أغنتْ عنها همزةُ الاستفهام ، وفي الثانية حَذَفَ همزةَ الاستفهام ، وهو يُريدها ، وهذا ممَّا لا يُسْتعملُ إلاَّ في الشعر " . قلت : أمَّا قراءتُه " استغفرْتَ " بوَصْلِ الهمزة فرُوِيَتْ أيضاً عن أبي عمروٍ ، إلاَّ أنه هو يضُمُّ ميم " عليهم " عند وَصْلِه الهمزةَ ؛ لأن أصلَها الضمُّ ، وأبو عمرو يكسِرُها على أصلِ التقاء الساكنين . وأمَّا قولُه : " وهذا ممَّا لا يُسْتعمل إلاَّ في شعرٍ " فإنْ أراد بهذا مَدَّ هذه الهمزةِ في هذا المكانِ فصحيحٌ ، بل لا نجده أيضاً ، وإن أرادَ حَذْفَ همزةَ الاستفهام فليس بصحيحٍ لأنَّه يجوزُ حَذْفُها إجماعاً قبل " أم " نثراً ونَظْماً ، وأمَّا دونَ " أم " ففيه خلافٌ ، والأخفشُ يُجَوِّزُهُ ويجعلُ منه { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } [ الشعراء : 22 ] وقولَه :

طَرِبْتُ وما شَوْقاً إلى البيضِ أَطْرَبُ *** ولا لَعِباً مني وذو الشَّيْبِ يَلْعَبُ

وقول الآخر :

أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ وأَنْ *** أُوْرَثَ ذَوْداً شصائِصاً نَبْلا

وأمَّأ قبل " أم " فكثير كقولِه :

لَعَمْرُكَ ما أَدْري وإنْ كنتُ داريا *** بسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْر أم بثمانٍ

وقد مَرَّتْ هذه المسألةُ مستوفاةً ولله الحمدُ