تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (6)

الآية6 وقوله تعالى : { سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر } [ فيه وجهان :

أحدهما : أنهم ]{[21297]} لم يعدوا ذلك زلة وذنبا لأنه كان عندهم أنهم على الحق .

والثاني : ما قلنا : إنهم كانوا لا يؤمنون بالآخرة ، والمغفرة إنما تطلب من الله ، ويتحقق ذلك في الآخرة .

وقوله تعالى : { لن يغفر الله لهم } على ذلك أيضا ؛ إنه لا يغفر أستغفرت أم لم تستغفر .

قال ، رحمه الله : ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستغفر للمنافقين بعد ما ظهر عنده نفاقهم ، ولكنه يجوز أن يكون هذا قبل نفاقهم ، والله اعلم .

ثم قوله تعالى : { لن يغفر الله لهم } يحتمل وجهين :

أحدهما : يقول : { لن يغفر الله لهم } ما داموا على النفاق ، ولم يتوبوا عنه .

والثاني : أن يقول : { لن يغفر الله لهم } في قوم ، علم الله منهم أنهم لا يؤمنون أبدا ، فقال في أولئك : { لن يغفر الله لهم } وكذلك هذا في قوله : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } [ البقرة : 6 ويس : 10 ]

وقوله تعالى : { إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } فيه أن الله تعالى ، يملك هداية وراء هداية البيان ، لأن من لم يملك شيئا لم يستقم أن يوصف بالتعظيم : أنه ، لا يفعل ، لأنه يعلم إذا لم يقدر ، ولم يملك ، لا يفعل . وإنما يوصف بهذا من يملك ذلك ، ولكن لا يفعل .

فلو لم يقدر خلق فعل الاهتداء في من أراد لم يوصف بأنه لا يهدي الفاسقين . فدل أنه يملك هداية البيان ، وهو خلق الاهتداء في من علم منه ذلك ، والله الموفق .

وقال أبو بكر : معنى قوله : { لا يهدي القوم الفاسقين } أي لا يهديهم لفسقهم .

وقالت المعتزلة : أي لا يسميهم مهتدين ، إذا فسقوا ، أو ضلوا .

وأيهما كان ، فهو محال ، لأن من هدى ضالا لضلالته فهو سفيه ؛ فكأنه يقول : لا يسفه ، ومن سمى الضال مهتديا فهو كاذب ؛ فكأنه قال : لا يكذب ، وهما جميعا غير مستقيم ، لأنا نعلم أنه لا يسفه ، ولا يكذب . فثبت أن في ملكه هداية ، يهدي بها من يشاء من عباده سوى هداية البيان . وإذا ثبت ما وصفنا أن في ملكه هداية البيان ثبت أن له فيها مشيئة ؛ لأن من ملك شيئا ، لم يجز أن تقطع عنه مشيئته . فلذلك قلنا : إن الله تعالى ، يضل من يشاء من عباده من{[21298]} علم أنه يؤثر الكفر ، ويختاره على الهدى ، ويهدي من يشاء من{[21299]} علم أنه يؤثر الهدى على الضلالة ، فيهديه لذلك ، ويوفقه ، ويسدده والله المستعان .


[21297]:في الأصل وم: لأنهم.
[21298]:في الأصل وم: لمن
[21299]:في الأصل وم: لمن