مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (6)

ذكر تعالى أن استغفاره لا ينفعهم فقال : { سواء عليهم أستغفرت لهم } قال قتادة : نزلت هذه الآية بعد قوله : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } وذلك لأنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيرني ربي فلأزيدنهم على السبعين " فأنزل الله تعالى : { لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } قال ابن عباس : المنافقين ، وقال قوم : فيه بيان أن الله تعالى يملك هداية وراء هداية البيان ، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك ، وقيل : معناه لا يهديهم لفسقهم وقالت المعتزلة : لا يسميهم المهتدين إذا فسقوا وضلوا وفي الآية مباحث :

البحث الأول : لم شبههم بالخشب المسندة لا بغيره من الأشياء المنتفع بها ؟ نقول لاشتمال هذا التشبيه على فوائد كثيرة لا توجد في الغير ( الأولى ) قال في الكشاف : شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير ، بالخشب المسندة إلى الحائط ، ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع ، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحائط شبهوا بها في حسن صورهم ، وقلة جداوهم ( الثانية ) الخشب المسندة في الأصل كانت غصنا طريا يصلح لأن يكون من الأشياء المنتفع بها ، ثم تصير غليظة يابسة ، والكافر والمنافق كذلك كان في الأصل صالحا لكذا وكذا ، ثم يخرج عن تلك الصلاحية ( الثالثة ) الكفرة من جنس الإنس حطب ، كما قال تعالى : { حصب جهنم أنتم لها واردون } والخشب المسندة حطب أيضا ( الرابعة ) أن الخشب المسندة إلى الحائط أحد طرفيها إلى جهة ، والآخر إلى جهة أخرى ، والمنافقون كذلك ، لأن المنافق أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر ، والطرف الآخر وهو الظاهر إلى جهة أهل الإسلام ( الخامسة ) المعتمد عليه الخشب المسندة ما يكون من الجمادات والنباتات ، والمعتمد عليه للمنافقين كذلك ، وإذا كانوا من المشركين إذ هو الأصنام ، إنها من الجمادات أو النباتات .

الثاني : من المباحث أنه تعالى شبهم بالخشب المسندة ، ثم قال من بعد ما ينافي هذا التشبيه وهو قوله تعالى : { يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو } والخشب المسندة لا يحسبون أصلا ، نقول : لا يلزم أن يكون المشبه والمشبه به يشتركان في جميع الأوصاف ، فهم كالخشب المسندة بالنسبة إلى الانتفاع وعدم الانتفاع ، وليسوا كالخشب المسندة بالنسبة إلى الاستماع وعدم الاستماع للصيحة وغيرها .

الثالث : قال تعالى : { إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } ولم يقل : القوم الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كل واحد منهم من جملة ما سبق ذكره ؟ نقول : كل أحد من تلك الأقوام داخل تحت قوله : { الفاسقين } أي الذين سبق ذكرهم وهم الكافرون والمنافقون والمستكبرون .