المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (260)

260- واذكر كذلك قصة إبراهيم إذ قال إبراهيم : رب أرني كيفية إحياء الموتى ، فسأله ربه عن إيمانه بإحياء الموتى ليجيب إبراهيم بما يزيل كل الشك في إيمانه ، فقال الله له : أو لم تؤمن بإحياء الموتى ؟ قال : إني آمنت ولكني طلبت ذلك ليزداد اطمئنان قلبي . قال : فخذ أربعة من الطير الحي فضمها إليك لتعرفهنَّ جيداً ، ثم جَزِّئهن بعد ذبحهن ، واجعل على كل جبل من الجبال المجاورة جزءا منهن ، ثم نادهنَّ فسيأتينك ساعيات وفيهنَّ الحياة كما هي ، واعلم أن الله لا يعجز عن شيء ، وهو ذو حكمة بالغة في كل أمر{[25]} .


[25]:ذكر الفخر الرازي وغيره أن هناك رأيا آخر في تفسير النص الكريم وهو أن إبراهيم لم يذبحهن ولم يؤمر بالذبح وأنه أمر بضمهن إليه ترويضا لهن على البقاء عنده ثم قسمهن فجعل على كل جبل واحدة من الأربع ثم دعاهن فجئن إليه وهذا تصوير لخلق الله تعالى للأشياء من أنها تكون بأمره للشيء كن. فيكون كما دعاهن فجئن إليه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (260)

{ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى } إنما سأل ذلك ليصير علمه عيانا ، وقيل لما قال نمروذ أنا أحيي وأميت قال له : إن إحياء الله تعالى برد الروح إلى بدنها ، فقال نمروذ : هل عاينته فلم يقدر أن يقول نعم . وانتقل إلى تقرير آخر ، ثم سأل ربه أن يريه ليطمئن قلبه على الجواب إن سئل عنه مرة أخرى . { قال أو لم تؤمن } بأني قادر على الإحياء بإعادة التركيب والحياة ، قال له ذلك وقد علم أنه أغرق الناس في الإيمان ليجيب بما أجاب به فيعلم السامعون غرضه . { قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } أي بلى آمنت ولكن سألت ذلك لأزيد بصيرة وسكون قلب بمضامة العيان إلى الوحي أو الاستدلال . { قال فخذ أربعة من الطير } قيل طاوسا وديكا وغرابا وحمامة ، ومنهم من ذكر النسر بدل الحمامة وفيه إيماء إلى أن إحياء النفس بالحياة الأبدية إنما يتأتى بإماتة حب الشهوات والزخارف الذي هو صفة الطاوس ، والصولة المشهور بها الديك وخسة النفس وبعد الأمل المتصف بهما الغراب ، والترفع والمسارعة إلى الهوى الموسوم بهما الحمام . وإنما خص الطير لأنه أقرب إلى الإنسان وأجمع لخواص الحيوان والطير مصدر سمي به أو جمع كصحب . { فصرهن إليك } فأملهن واضممهن إليك لتتأملها وتعرف شياتها لئلا تلتبس عليك بعد الإحياء . وقرأ حمزة ويعقوب { فصرهن } بالكسر وهما لغتان قال :

وما صيد الأعناق فيهم حيلة *** ولكن أطراف الرماح تصورها

وقال :

وفرع يصير الجيد وحف كأنه *** على الليث قنوان الكروم الدوالح

وقرئ { فصرهن } بضم الصاد وكسرها وهما لغتان ، مشددة الراء من صره يصره ويصره إذا جمعه وفصرهن من التصرية وهي الجمع أيضا . { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } أي ثم جزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال التي بحضرتك . قيل كانت أربعة . وقيل سبعة . وقرأ أبو بكر " جزؤا " و " جزؤ " بضم الزاي حيث وقع . { ثم ادعهن } قل لهن تعالين بإذن الله تعالى . { يأتينك سعيا } ساعيات مسرعات طيرانا أو مشيا . روي أنه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها فيمسك رؤوسها ، ويخلط سائر أجزائها ويوزعها على الجبال ، ثم يناديهن . ففعل ذلك فجعل كل جزء يطير إلى آخر حتى صارت جثثا ثم أقبلن فانضممن إلى رؤوسهن . وفيه إشارة إلى أن من أراد إحياء نفسه بالحياة الأبدية ، فعليه أن يقبل على القوى البدنية فيقتلها ويمزج بعضها ببعض حتى تنكسر سورتها ، فيطاوعنه مسرعات متى دعاهن بدعاية العقل أو الشرع . وكفى لك شاهدا على فضل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويمن الضراعة في الدعاء وحسن الأدب في السؤال ، إنه تعالى أراه ما أراد أن يريه في الحال على أيسر الوجوه ، وأراه عزيرا بعد أن أماته مائة عام . { واعلم أن الله عزيز } لا يعجز عما يريده . { حكيم } ذو حكمة بالغة في كل ما يفعله ويذره .