المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

إنا ذللنا الجبال معه ، يستغل ما فيها من منافع ، وهُنَّ ينزِّهن الله - تعالى - عن كل نقص في آخر النهار وأوله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

وقوله : { إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ } أي : إنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار ،

كما قال تعالى : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ } [ سبأ : 10 ] وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا تستطيع الذهاب بل تقف في الهواء وتسبح معه . وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعا له .

قال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب حدثنا محمد بن بشر عن مِسْعَر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثير عن ابن عباس أنه بلغه : أن أم هانئ ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات ، قال ابن عباس : قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة يقول الله تعالى : { يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ }

ثم رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي المتوكل عن أيوب بن صفوان عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى قال : فأدخلته على أم هانئ فقلت : أخبري هذا ما أخبرتني به . فقالت أم هانئ : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي ثم أمر بماء صب في قصعة ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه فاغتسل ثم رش ناحية البيت فصلى ثمان ركعات ، وذلك من الضحى قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء قريب بعضهن من بعض فخرج ابن عباس وهو يقول : لقد قرأت ما بين اللوحين ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن : { يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ } وكنت أقول : أين صلاة الإشراق وكان بعد يقول : صلاة الإشراق . ولهذا قال : { وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

{ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن } قد مر تفسيره ، و { يسبحن } حال وضع موضع مسبحات لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال . { وبالعشي والإشراق } ووقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى ، وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق . وعن أم هانئ رضي الله عنها : أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى وقال " هذه صلاة الإشراق " وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

وجملة { إنَّا سخرنا الجبال معه } بيان لجملة { واذكر عبدنا } أي اذكر فضائله وما أنعمنا عليه من تسخير الجبال وكيْت وكَيْتَ ، و { معهُ } ظرف ل { يُسَبِحْنَ } ، وقدم على متعلقه للاهتمام بمعيته المذكورة ، وليس ظرفاً ل { سَخَّرْنَا } لاقتضائه ، وتَقدم تسخير الجبال والطيرِ لداود في سورة الأنبياء .

وجملة { يُسَبِحْنَ } حال . واختير الفعل المضارع دون الوصف الذي هو الشأن في الحال لأنه أريد الدلالة على تجدد تسبيح الجبال معه كلما حضر فيها ، ولِمَا في المضارع من استحضار تلك الحالة الخارقة للعادة . والتسبيح أصله قول : سبحان الله ، ثم أطلق على الذكر وعلى الصلاة ، ومنه حديث عائشة : « لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الصبح وإني لأُسبحها » ، وليس هذا المعنى مراداً هنا لأن الجبال لا تصلي والطير كذلك ولأن داود لا يصلي في الجبال إذ الصلاة في شريعتهم لا تقع إلا في المسجد وأما الصلاة في الأرض فهي من خصائص الإِسلام .

والعشي : ما بعد العصر . يقال : عَشِيّ وعَشِيَّة . و { الإِشراق } : وقت ظهور ضوء الشمس واضحاً على الأرض وهو وقت الضحى ، يقال : أشرقت الأرض ولا يقال : أشرقت الشمس ، وإنما يقال : شَرَقَت الشمس وهو من باب قَعَد ، ولذلك كان قياس المكان منه المَشرَق بفتح الراء ولكنه لم يجىء إلاّ بكسر الراء . ووقت طلوع الشمس هو الشروق ووقت الإِشراق الضحى ، يقال : شَرقت الشمس ولمَّا تُشْرِق ، ويقال : كُلَّما ذَرَّ شَارق ، أي كلما طلعت الشمس . والباء في { بالعَشِي } للظرفية فتعين أن المراد بالإِشراق وقت الإِشراق .