مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

الخامس : قوله تعالى : { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } ونظير هذه الآية قوله تعالى : { يا جبال أوبي معه والطير } وفيه مباحث :

البحث الأول : وفيه وجوه الأول : أن الله سبحانه خلق في جسم الجبل حياة وعقلا وقدرة ومنطقا وحينئذ صار الجبل مسبحا لله تعالى ونظيره قوله تعالى : { فلما تجلى ربه للجبل } فإن معناه أنه تعالى خلق في الجبل عقلا وفهما ، ثم خلق فيه رؤية الله تعالى فكذا ههنا الثاني : في التأويل ما رواه القفال في تفسيره أنه يجوز أن يقال إن داود عليه السلام قد أوتي من شدة الصوت وحسنه ما كان له في الجبال دوي حسن ، وما يصغي الطير إليه لحسنه فيكون دوي الجبال وتصويت الطير معه وإصغاؤه إليه تسبيحا ، وذكر محمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يعط أحدا من خلقه مثل صوت داود حتى أنه كان إذا قرأ الزبور دنت منه الوحوش حتى يأخذ بأعناقها الثالث : أن الله سبحانه سخر الجبال حتى أنها كانت تسير إلى حيث يريده داود وجعل ذلك السير تسبيحا لأنه كان يدل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته .

البحث الثاني : قال صاحب «الكشاف » { يسبحن } في معنى مسبحات ، فإن قالوا هل من فرق بين يسبحن ومسبحات قلنا نعم ، فإن صيغة الفعل تدل على الحدوث والتجدد ، وصيغة الاسم على الدوام على ما بينه عبد القاهر النحوي في كتاب دلائل الإعجاز ، إذا ثبت هذا فنقول قوله : { يسبحن } يدل على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شيء وحالا بعد حال وكان السامع حاضر تلك الجبال يسمعها تسبح .

البحث الثالث : قال الزجاج يقال شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت وقيل هما بمعنى ، والأول أكثر تقول العرب شرقت الشمس والماء يشرق .

البحث الرابع : احتجوا على شرعية صلاة الضحى بهذه الآية ، عن أم هانئ قالت : «دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى صلاة الضحى ، وقال :

" يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق " وعن طاووس عن ابن عباس قال : «هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن ؟ قالوا لا ، فقرأ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق » وقال كان يصليها داود عليه السلام وقال لم يزل في نفسي شيء من صلاة الضحى حتى وجدتها في قوله : { يسبحن بالعشى والإشراق } .