قوله : { إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ } فقوله : «يسبحن » جملة حالية من «الجبال » وأتى بها هنا فعلاً مضارعاً دون اسم الفاعل فلم يقل مسبِّحات ، دلالة على التجدد والحدوث شيئاً بعد شيء كقول الأعشى :
لَعَمْرِي لَقَدْ لاَحَتْ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ*** إلَى ضَوْءٍ نَارٍ فِي بِقَاعِ تَحَرَّقُ
أي تحرق شيئاً فشيئاً ، ولو قال : مُحْرِقة لم يدل على هذا المعنى .
المعنى : يسبحن بتسبيحه . و في كيفية تسبيح الجبال وجوه :
الأول : أن الله تعالى يخلق في جسم الجبل حياة وعقلاٌ وقُدرة ونُطقاً ، فحينئذ يصير الجبل مسبحاً لله تعالى .
الثاني : قال القفال : إن داود - عليه الصلاة والسلام- أوتي من شدة الصوت وحسنه ما كان له في الجبال دويٌّ حسن وما يصغي الطير إليه لحسنه فيكون دويّ الجبال وتصويت الطير معه وإصغاؤها إليه تسبيحاً ، وروى محمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يعط أحداً من خلقه مثل صوت داود حتى إنه كان إذا قرأ الزبور دنَتْ منه الوحوش حتى تؤخَذَ بأعْنَاقِهَا .
الثالث : أن الله تعالى سخر الجبال حتى إنّها كانت تسير إلى حيث يريده داود فجعل ذلك السير تسبيحاً لأنه يدل على كمال قدرة الله وحكمته .
قوله : { بالعشي والإشراق } قال الكلبي غَدْوةً وعَشِيًّا والإشراق هو أن تشرق الشمسُ ويتناهى ضوؤها قال الزجاج : يقال شَرقَت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت ، وقيل : هما بمعنًى . والأول أكثر . تقول العرب شرقت الشمس والماء يُشرق ، وفسره ابن عباس بصلاة الضحى . «قال ابن عباس كنت أمر بهذه الآية لا أدري ما هي حتى حدثَتْنِي أمّ هانِئ بنت أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بوَضُوء فتوضأ ثمّ صلّى الضحى وقال يا أم هانئ : هذه صلاة الإشراق » . وروى طاوس عن ابن عباس قال : هل تجدون ذكرَ صلاةِ الضحى في القرآن ؟ قالوا : لا ؛ فقرأ : «إنا سَخَّرْنَا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق » قال : وكانت صلاة يصليها داود عليه السلام وقال لم يزل في نفسي شيء من صلاة الضحى حتى طلبتها فوجدتها في قوله تعالى : { يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.