السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

ويؤيد هذا قوله تعالى : { إنا } أي : على ما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء { سخرنا الجبال } أي : التي هي أقسى من قلوب قومك وأنها أعظم الأراضي صلابة وقوةً وعلواً ورفعةً بأن جعلناها منقادة ذلولاً كالجمل الأنف ، ثم قيد ذلك بقوله تعالى : { معه } أي : مصاحبة له { يسبحن } أي : بتسبيحه وفي كيفية تسبيحها وجوه أحدها : أن الله تعالى يخلق في جسم الجبل حياة وعقلاً وقدرة ونطقاً وحينئذ يصير الجبل مسبحاً لله تعالى ، ثانيها : قال القفال : إن داود عليه السلام أوتي من شدة الصوت وحسنه ما كان له في الجبال دوي حسن وما يصغي الطير إليه لحسنه فيكون دوي الجبال وتصويت الطير معه وإصغاؤها إليه تسبيحاً . روى محمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يعط أحداً من خلقه مثل صوت داود عليه السلام حتى أنه كان إذا قرأ الزبور دنت منه الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها ، ثالثها : أن الله تعالى سخر الجبال حتى أنها كانت تسير إلى حيث يريده داود عليه السلام فجعل ذلك السير تسبيحاً لأنه يدل على كمال قدرته تعالى واتقان حكمته { بالعشي والإشراق } قال الكلبي : غدوةً وعشياً ، والإشراق هو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءها ، قال الزجاج : يقال : شرقت الشمس ، إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت ، وقيل : هما بمعنى واحد والأول أكثر استعمالاً ، تقول العرب : شرقت الشمس ولما تشرق ، وفسره ابن عباس بصلاة الضحى قال ابن عباس : كنت أمر بهذه الآية ولم أدر ما هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى وقال : يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق » ، وروى طاوس عن ابن عباس قال : هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن قالوا : لا فقرأ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق .