الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ} (18)

{ والإشراق } وقت الإشراق ، وهو حين تشرق الشمس ، أي : تضيء ويصفوا شعاعها وهو وقت الضحى ، وأما شروقها فطلوعها ، يقال : شرقت الشمس ، ولما تشرق . وعن أمّ هانىء : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى صلاة الضحى وقال : « يا أمّ هانىء هذه صلاة الإشراق » وعن طاووس ، عن ابن عباس قال : هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن ؟ قالوا : لا ، فقرأ : { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } وقال : كانت صلاة يصليها داود عليه السلام . وعنه : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية . وعنه : لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى طلبتها فوجدتها في الآية { يُسَبّحْنَ بالعشى والإشراق } وكان لا يصلي صلاة الضحى ، ثم صلاها بعد . وعن كعب أنه قال لابن عباس : إني لا أجد في كتب الله صلاة بعد طلوع الشمس ، فقال : أنا أوجدك ذلك في كتاب الله تعالى ، يعني هذه الآية . ويحتمل أن يكون من أشرق القوم إذا دخلوا في الشروق ، ومنه قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُشْرِقِينَ } [ الحجر : 73 ] وقول أهل الجاهلية : أشرق ثبير ، ويراد وقت صلاة الفجر لانتهائه بالشروق .

ويسبحن : في معنى ومسبحات على الحال . فإن قلت : هل من فرق بين يسبحن ومسبحات ؟ قلت : نعم ، وما اختير يسبحن على مسبحات إلا لذلك ، وهو الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئاً بعد شيء وحالاً بعد حال ، كأن السامع محاضر تلك الحال يسمعها تسبح . ومثله قول الأعشى :

إلَى ضَوْءِ نَارٍ فِي يَفَاعٍ تَحْرِقُ *** ولو قال : محرقة ، لم يكن شيئاً .