المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (13)

13- وذلل لكم جميع ما في السماوات من نجوم مضيئة وكواكب ، وكل ما في الأرض من زرع وضرع وخصب وماء ونار وهواء وصحراء جميعاً منه - تعالى - ليوفر لكم منافع الحياة . إن فيما ذكر من نعم لآيات دالة على قدرته لقوم يتدبرون الآيات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (13)

ثم قال تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } أي : من الكواكب والجبال ، والبحار والأنهار ، وجميع ما تنتفعون به ، أي : الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ؛ ولهذا قال : { جَمِيعًا مِنْهُ } أي : من عنده وحده لا شريك له في ذلك ، كما قال تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53 ] .

وروى ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } كل شيء هو من الله ، وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه ، فذلك جميعا منه ، ولا ينازعه فيه المنازعون ، واستيقن أنه كذلك .

وقال{[26310]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن خَلَف العسقلاني ، حدثنا الفِرْياني ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المِنْهال بن عمرو ، عن أبي أراكة قال : سأل رجل عبد الله بن عمرو قال : مم خلق الخلق ؟ قال : من النور والنار ، والظلمة والثرى . قال وائت ابن عباس فاسأله . فأتاه فقال له مثل ذلك ، فقال : ارجع إليه فسله : مم خلق ذلك كله ؟ فرجع إليه فسأله ، فتلا { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } هذا أثر غريب ، وفيه نكارة .


[26310]:- (1) في ت: "وروى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَسَخّرَ لَكُمْ ما في السّمَوَاتِ من شمس وقمر ونجوم وَما فِي الأرْضِ من دابة وشجر وجبل وجماد وسفن لمنافعكم ومصالحكم جَمِيعا منه . يقول تعالى ذكره : جميع ما ذكرت لكم أيها الناس من هذه النعم ، نعم عليكم من الله أنعم بها عليكم ، وفضل منه تفضّل به عليكم ، فإياه فاحمدوا لا غيره ، لأنه لم يشركه في إنعام هذه النعم عليكم شريك ، بل تفرّد بإنعامها عليكم وجميعها منه ، ومن نعمه فلا تجعلوا له في شكركم له شريكا بل أفردوه بالشكر والعبادة ، وأخلصوا له الألوهة ، فإنه لا إله لكم سواه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَسَخّرَ لَكُمْ ما في السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ جَمِيعا مِنْهُ ، يقول : كل شيء هو من الله ، وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه ، فذلك جميعا منه ، ولا ينازعه فيه المنازعون ، واستيقن أنه كذلك .

وقوله : إنّ فِي ذلكَ لآياتٍ لِقَوْم يَتَفَكّرُونَ ، يقول تعالى ذكره : إن في تسخير الله لكم ما أنبأكم أيها الناس أنه سخره لكم في هاتين الايتين لاياتٍ يقول : لعلامات ودلالات على أنه لا إله لكم غيره ، الذي أنعم عليكم هذه النعم ، وسخر لكم هذه الأشياء التي لا يقدر على تسخيرها غيره لقوم يتفكرون في آيات الله وحججه وأدلته ، فيعتبرون بها ويتعظون إذا تدبروها ، وفكّروا فيها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (13)

وتسخير { ما في السماوات } : هو تسخير الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح والهواء والملائكة الموكلة بهذا كله ، ويروى أن بعض الأحبار نزل به ضيف فقدم إليه رغيفاً ، فكأن الضيف احتقره فقال له المضيف : لا تحتقره فإنه لم يستدر حتى تسخر فيه من المخلوقات والملائكة ثلاثمائة وستون بين ما ذكرنا من مخلوقات السماء وبين الملائكة وبين صناع بني آدم الموصلين إلى استدارة الرغيف ، وتسخير ما في الأرض هو تسخير البهائم والمياه والأودية والجبال وغير ذلك . ومعنى قوله : { جميعاً منه } قال ابن عباس : كل إنعام فهو من الله تعالى .

وقرأ جمهور الناس : «منه » وهو وقف جيد . وقرأ مسلمة بن محارب : «مَنُّه » بفتح الميم وشد النون المضمومة بتقدير : هو منه{[10264]} . وقرأ ابن عباس : بكسر الميم وفتح النون المشددة ونصب التاء على المصدر{[10265]} . قال أبو حاتم : سند هذه القراءة إلى ابن عباس مظلم ، وحكاها أبو الفتح عن ابن عباس وعبد الله بن عمر والجحدري وعبد الله بن عبيد بن عمير . وقرأ مسلمة بن محارب أيضاً : «مِنةٌ » بكسر الميم وبالرفع في التاء .


[10264]:هذا قول أبي حاتم، قال أبو الفتح ابن جني:"ويجوز عندي أن يكون مرفوعا بفعله هذا الظاهر، أي: سخر لكم ذلك منه، كقولك: أحياني إقبالك علي، وسدد أمري حسن رأيك فيّ، فتعمل فيه هذا الظاهر، ولا تحتاج إلى إبعاد التناول واعتقاد ما ليس بظاهر".
[10265]:هذا هو رأي ابن جني، يقول:"هو منصوب على المصدر بما دل عليه قوله تعالى: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا}؛ لأن ذلك منه-عز اسمه- منة منها عليهم، فكأنه قال: منّ عليه منة، ومن نصب"وميض البقر" من قولهم:"تبسمت وميض البرق" بنفس "تبسم" لكونه بمعنى "أومضت"، نصب أيضا[منة] بنفس{سخر لكم}، على ما مضى".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (13)

{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض جَمِيعاً منه } .

هذا تعميم بعد تخصيص اقتضاه الاهتمام أولاً ثم التعميم ثانياً . و { ما في السموات وما في الأرض } عام مخصوص بما تحصل للناس فائدة من وجوده : كالشمس للضياء ، والمطر للشراب ، أو من بعض أحواله : كالكواكب للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر ، والشجر للاستظلال ، والأنعام للركوب والحرث ونحو ذلك . وأما ما في السماوات والأرض مما لا يفيد الناس فغير مراد مثل الملائكة في السماء والأهوية المنحبسة في باطن الأرض التي يأتي منها الزلزال .

وانتصب { جميعاً } على الحال من { ما في السموات وما في الأرض } . وتنوينه تنوين عوض عن المضاف إليه ، أي جميع ذلك مثل تنوين ( كل ) في قوله : { كلاً هدينا } [ الأنعام : 84 ] .

و ( من ) ابتدائية ، أي جميع ذلك من عند الله ليس لغيره فيه أدنى شركة . وموقع قوله : { منه } موقع الحال من المضاف إليه المحذوف المعوّض عنه التنوين أو من ضمير { جميعاً } لأنه في معنى مجموعاً .

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيات لِّقَوْمٍ يتفكرون } .

أي في ذلك المذكور من تسخير البحر وتسخير ما في السموات والأرض دلائل على تفرد الله بالإلهية فهي وإن كانت منناً يحق أن يشكرها الناس فإنها أيضاً دلائل إذا تفكر فيها المنعَم عليهم اهتدوا بها ، فحصلت لهم منها ملائمات جسمانية ومعارف نفسانية ، وبهذا الاعتبار كانت في عداد الآيات المذكورةِ قبلها من قوله : { إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين } [ الجاثية : 3 ] ، وإنما أُخرت عنها لأنها ذكرت في معرض الامتنان بأنها نعم ، ثم عُقبت بالتنبيه على أنها أيضاً دلائل على تفرد الله بالخلق .

وأوثر التفكر بالذكر في آخر صفات المستدلين بالآيات ، لأن الفكر هو منبع الإيمان والإيقان والعلم المتقدمة في قوله : { لآيات للمؤمنين } [ الجاثية : 3 ] { آياتٌ لقوم يوقنون } [ الجاثية : 4 ] { آياتٌ لقوم يعقلون } [ الجاثية : 5 ] .