المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (13)

وتسخير { ما في السماوات } : هو تسخير الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح والهواء والملائكة الموكلة بهذا كله ، ويروى أن بعض الأحبار نزل به ضيف فقدم إليه رغيفاً ، فكأن الضيف احتقره فقال له المضيف : لا تحتقره فإنه لم يستدر حتى تسخر فيه من المخلوقات والملائكة ثلاثمائة وستون بين ما ذكرنا من مخلوقات السماء وبين الملائكة وبين صناع بني آدم الموصلين إلى استدارة الرغيف ، وتسخير ما في الأرض هو تسخير البهائم والمياه والأودية والجبال وغير ذلك . ومعنى قوله : { جميعاً منه } قال ابن عباس : كل إنعام فهو من الله تعالى .

وقرأ جمهور الناس : «منه » وهو وقف جيد . وقرأ مسلمة بن محارب : «مَنُّه » بفتح الميم وشد النون المضمومة بتقدير : هو منه{[10264]} . وقرأ ابن عباس : بكسر الميم وفتح النون المشددة ونصب التاء على المصدر{[10265]} . قال أبو حاتم : سند هذه القراءة إلى ابن عباس مظلم ، وحكاها أبو الفتح عن ابن عباس وعبد الله بن عمر والجحدري وعبد الله بن عبيد بن عمير . وقرأ مسلمة بن محارب أيضاً : «مِنةٌ » بكسر الميم وبالرفع في التاء .


[10264]:هذا قول أبي حاتم، قال أبو الفتح ابن جني:"ويجوز عندي أن يكون مرفوعا بفعله هذا الظاهر، أي: سخر لكم ذلك منه، كقولك: أحياني إقبالك علي، وسدد أمري حسن رأيك فيّ، فتعمل فيه هذا الظاهر، ولا تحتاج إلى إبعاد التناول واعتقاد ما ليس بظاهر".
[10265]:هذا هو رأي ابن جني، يقول:"هو منصوب على المصدر بما دل عليه قوله تعالى: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا}؛ لأن ذلك منه-عز اسمه- منة منها عليهم، فكأنه قال: منّ عليه منة، ومن نصب"وميض البقر" من قولهم:"تبسمت وميض البرق" بنفس "تبسم" لكونه بمعنى "أومضت"، نصب أيضا[منة] بنفس{سخر لكم}، على ما مضى".