اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (13)

قوله تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } أي خلقها مسخرة لنا . أي لنفعنا .

قوله : «جميعاً » حال من { ما في السموات وما في الأرض } أو توكيد{[50603]} . وقد عدها ابن مالك في أَلْفَاظِهِ{[50604]} و «منه » يجوز أن يتعلق بمحذوف صفة ل «جميعاً » وأن يتعلق «بسَخَّر » أي هو صادر من جهته ومن عنده{[50605]} . وجوَّز الزمخشري في «منه » أن يكون خبر ابتداء مضمر ، أي هُنَّ جَمِيعاً منه ، وأن يكون { وَمَا فِي الأرض } مبتدأ و «منه » خبره{[50606]} .

قال أبو حيان : وهَذَانِ لا يجوزان إلاَّ على رأي الأخفش ، من حيث إنَّ الحال تقدمت يعني «جَمِيعاً » فقدمت على عاملها المعنوي يَعْنِي الجَار فهي نظير : زَيْدٌ قَائِماً فِي الدَّارِ{[50607]} والعامة على «مِنْهُ » . وابن عباس ( رضي الله عنهما ){[50608]} بكسر الميم وتشديد النون ونصب التاء{[50609]} . جعله مصدراً مِنْ : «مَنَّ يَمُنُّ مِنَّةً » فانتصبا به عنده على المصدر المؤكد ، وإما بعامل مضمر ، وإما بسخَّر لأنه بمعناه{[50610]} . قال أبو حاتم : سند{[50611]} هذه القراءة إلى ابن عباس مظلم{[50612]} . قال شهاب الدين : قد رُوِيَتْ أيضاً عن جماعة جلة غير ابن عباس ، فنقلها بن خالويه{[50613]} عنه وعن عُبَيْد بْنِ عُمَيْر ونقلها صاحب اللوامح{[50614]} وابن جني{[50615]} عن ابن عباس ، وعبد الله بن عمرو والجَحْدَريّ وعبد الله بن عُبَيْد بن عُمَيْر{[50616]} . وقرأ مُسْلِمَةُ{[50617]} بْنُ مَحَارِب كذلك إلا أنه رفع التاء جعلها خَبَر ابْتداءٍ مضمر ، أي هي مِنَّة{[50618]} .

وقرأ أيضاً في رواية أخرى فتح الميم وتشديد النون و «ها » كناية مضمومة جعله مصدراً مضافاً لضمير الله تعالى{[50619]} . ورفعه من وجهين :

أحدهما : بالفاعلية بسَخَّر ، أي سَخَّرَ لَكُمْ هَذِهِ الأشياءَ مَنُّهُ عَلَيْكُمْ{[50620]} .

والثاني : أن يكون خبر ابتداء مضمر ، أي هُو ، أو ذَلِكَ{[50621]} مَنُّهُ عليكم إنَّ في ذَلِكَ { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .


[50603]:الدر المصون 4/832.
[50604]:وشرط إضافتها هي كل وعامة إلى الضمير قال: ومجيئه في الغرض الثاني (وهو التوكيد المعنوي) تبعا لذي أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه مضافا إلى ضميره بلفظ "كل" أو جميع "أو عامة". انظر التسهيل 164.
[50605]:التبيان 1151، والكشاف 3/510.
[50606]:المرجع السابق.
[50607]:بالمعنى من البحر المحيط 8/45، ووجدت في شرح الكافية للعلامة الرضي: "وأجازه الأخفش بشرط تقدم المبتدأ على الحال نحو: زيد قائما في الدار، وذلك بناء على مذهبه من قوة الظرف حتى جاز أن يعمل عنده بلا اعتماد في الظاهر في نحو: في الدار زيد". شرح الكافية 1/204.
[50608]:زيادة من أ.
[50609]:شاذة من الأربع عشر وانظر الإتحاف 390 ومختصر ابن خالويه 138 والمحتسب 2/262.
[50610]:انظر المحتسب السابق، والدر المصون 4/833.
[50611]:في ب مسند.
[50612]:في البحر المحيط ظلم، والرواية تبعا لصاحب الدر المصون، انظر الدر المرجع السابق والبحر 8/45.
[50613]:مختصر ابن خالويه 138.
[50614]:انظر البحر المحيط 8/45.
[50615]:المحتسب 2/262.
[50616]:عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر أبو هاشم الليثي المكي تابعي، جليل، وردت الرواية عنه في حروف القرآن مات سنة 113 هـ انظر غاية النهاية 2/431، وانظر الدر المصون 4/833.
[50617]:هو مسلمة بن عبد الله بن محارب أبو عبد الله الفهري البصري، النحوي، له اختيار في القراءة قرأ عليه شهاب الدين بن شرنفة، وكان من علماء العربية انظر غاية النهاية 2/298.
[50618]:البحر المحيط 8/45 وهي قراءة شاذة وأوردها أيضا نقلا عن البحر صاحب الدر المصون 4/833.
[50619]:المحتسب 2/262 والدر المصون المرجع السابق.
[50620]:هذا توجيه أبي الفتح في مرجعه السابق.
[50621]:هذا توجيه أبي حاتم فيما نقله عنه أيضا ابن جني في المرجع السابق وانظر الدر المصون 4/833.