المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

8- وإنه لحبه المال وحرصه عليه لبخيل به ، لا يؤدي ما وجب فيه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

وقوله : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } أي : وإنه لحب الخير - وهو : المال - لشديد . وفيه مذهبان :

أحدهما : أن المعنى : وإنه لشديد المحبة للمال .

والثاني : وإنه لحريص بخيل ؛ من محبة المال . وكلاهما صحيح .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

وقوله : { وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } يقول تعالى ذكره : وإن الإنسان لحبّ المال لشديد .

واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدّة لحبّ المال ، فقال بعض البصريين : معنى ذلك : وإنه من أجل حبّ الخير لشديد : أي لبخيل ، قال : يقال للبخيل : شديد ومتشدّد . واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طَرَفة بن العبد اليشكري :

أرَى المَوْتَ يَعْتامُ النّفُوسَ ويَصْطَفِي *** عَقِيلَةَ مالِ الباخِلِ المُتَشَدّدِ

وقال آخرون : معناه : وإنه لحبّ الخير لقويّ .

وقال بعض نحوييّ الكوفة : كان موضع ( لحُبّ ) أن يكون بعد شديد ، وأن يضاف شديد إليه ، فيكون الكلام : وإنه لشديد حُبّ الخير ، فلما تقدّم الحبّ في الكلام ، قيل : شديد ، وحذف من آخره ، لما جرى ذكره في أوّله ، ولرؤوس الآيات ، قال : ومثله في سورة إبراهيم : { كَرَمادٍ اشْتَدّتْ بهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ } والعَصوف لا يكون لليوم ، إنما يكون للريح ، فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح ، والله أعلم ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشدِيدٌ } قال : الخير : الدنيا ، وقرأ : { إنْ تَرَك خَيْرا الوَصِيّةُ } قال : فقلت له : إن ترك خيرا : المال ؟ قال : نعم ، وأيّ شيء هو إلا المال ؟ قال : وعسى أن يكون حراما ، ولكن الناس يعدّونه خيرا ، فسماه الله خيرا ؛ لأن الناس يسمونه خيرا في الدنيا ، وعسى أن يكون خبيثا ، وسُمّي القتال في سبيل الله سُوءا ، وقرأ قول الله : { فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } قال : لم يمسهم قتال . قال : وليس هو عند الله بسوء ، ولكن يسمونه سوءا .

وتأويل الكلام : إن الإنسان لربه لكنود ، وإنه لحبّ الخير لشديد ، وإن الله على ذلك من أمره لشاهد . ولكن قوله : { وَإنّهُ عَلى ذِلكَ لَشَهِيدٌ } قدّم ، ومعناه التأخير ، فجعل معترضا بين قوله : { إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ } ، وبين قوله : { وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة { إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ وإنّهُ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ } قال : هذا في مقاديم الكلام ، قال : يقول : إن الله لشهيد أن الإنسان لحبّ الخير لشديد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

والضمير في قوله تعالى : { وإنه لحب الخير } عائد على { الإنسان } لا غير ، والمعنى من أجل حب الخير إنه { لشديد } ، أي بخيل بالمال ضابط له ، ومنه قول الشاعر [ طرفة بن العبد ] : [ الطويل ]

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي . . . عقيلة مال الفاحش المتشدد{[11955]}

و { الخير } المال على عرف ذلك في كتاب الله تعالى ، قال عكرمة : { الخير } حيث وقع في القرآن فهو المال ، ويحتمل أن يراد هنا الخير الدنياوي من مال وصحة وجاه عند الملوك ونحوه ؛ لأن الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك ، فأما المحب في خير الآخرة فممدوح له مرجو له الفوز .


[11955]:هذا البيت من قصيدة طرفة المعروفة (لخولة أطلال ببرقة ثهمد)، وهي المعلقة التي قالها بعد أن مل حياة التشرد، وعاد نادما إلى أهله. ويعتام : يختار، والعقيلة: الكريمة من المال والنساء، والفاحش: البخيل. يقول: أرى الموت يختار الكرام فيفنيهم، ويصطفي أفضل ما عند البخيل المتشدد من مال فيأخذه، وبهذا لا ينفعه بخله ولا تشدده، فلا تخلص منه لواحد من الصنفين، فلا يجدي البخيل بخله، فالحود أفضل لأنه أحمد، وقيل: بل المعنى: إن الموت يختار الكرام بالإفناء، ويصطفي كريمة مال البخيل بالإبقاء.