يقول الله تعالى بعد ذكر{[18170]} المشركين المستكبرين عن مجالسة{[18171]} الضعفاء والمساكين من المسلمين ، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم ، فضرب لهم{[18172]} مثلا برجلين ، جعل الله { لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } أي : بستانين من أعناب ، محفوفتين بالنخل{[18173]} المحدقة في جنباتهما ، وفي خلالهما الزروع ، وكل من الأشجار والزروع مثمر مُقبلٌ في غاية الجود ؛ ولهذا قال : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاضْرِبْ لهُمْ مّثَلاً رّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئاً وَفَجّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لَصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزّ نَفَراً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واضرب يا محمد لهؤلاء المشركين بالله ، الذين سألوك أن تطرُد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ، مَثلاً مثل رَجُلَينِ جَعَلْنا لأَحَدهِما جَنّتَيْنِ أي جعلنا له بساتين من كروم وحَفَفْناهُمَا بنَخْلٍ يقول : وأطفنا هذين البساتين بنخل . وقوله : وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعا يقول : وجعلنا وسط هذين البساتين زرعا .
الضمير في { لهم } عائد على الطائفة المتجبرة التي أرادت من النبي عليه السلام أن يطرد فقراء المؤمنين { الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } [ الكهف : 28 ] وعلى أولئك الداعين أيضاً ، فالمثل مضروب للطائفتين ، إذ الرجل الكافر صاحب الجنتين هو بإزاء متجبر في قريش أو بني تميم على الخلاف المذكور أولاً ، والرجل المؤمن المقر بالربوبية ، هو بإزاء بلال وعمار وصهيب وأقرانهم { وحففناهما } بمعنى وجعلنا ذلك لها من كل جهة ، تقول حفك الله بخير : أي عمك به من جهاتك ، و «الحفاف » الجانب من السرير والفدان ونحوه ، وظاهر هذا المثل أنه بأمر وقع وكان موجوداً ، وعلى ذلك فسره أكثر أهل هذا التأويل ، ويحتمل أن يكون مضروباً بمن هذه صفته وإن لم يقع ذلك في وجود قط ، والأول أظهر ، وروي في ذلك أنهما كانا أخوين من بني إسرائيل ، ورثا أربعة آلاف دينار فصنع أحدهما بماله ما ذكر واشترى عبيداً وتزوج وأثرى ؛ وأنفق الآخر ماله في طاعات الله عز وجل حتى افتقر ، والتقيا ففخر الغني ووبخ المؤمن ، فجرت بينهما هذه المحاورة ، روي أنهما كانا شريكين حدادين ، كسبا مالاً كثيراً وصنعا نحو ما روي في أمر الأخوين ، فكان من أمرهما ما قص الله في كتابه ، وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد ، أن بحيرة تنيس{[7806]} كانت هاتين الجنتين ، وكانتا لأخوين ، فباع أحدهما نصيبه من الآخر ، وأنفق في طاعة الله حتى عيره الآخر ، وجرت بينهما هذه المحاورة ، قال : فغرقها الله في ليلة ، وإياها عنى بهذه الآية ، وفي بسط قصصهما طول فاختصرته واقتصرت على معناه لقلة صحته ، ولأن في هذا ما يفي بفهم الآية ، وتأمل هذه الهيئة التي ذكر الله ، فإن المرء لا يكاد يتخيل أجمل منها في مكاسب الناس : جنتا عنب أحاط بهما نخل ، بينهما فسحة ، هي مزدرع لجميع الحبوب ، والماء الغيل{[7807]} يسقى جميع ذلك من النهر الذي قد جمل هذا المنظر ، وعظم النفع ، وقرب الكد ، وأغنى عن النواضح وغيرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.