فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعٗا} (32)

قوله : { واضرب لهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ } هذا المثل ضربه الله سبحانه لمن يتعزّز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة الفقراء فهو على هذا متصل بقوله : { واصبر نَفْسَكَ } .

وقد اختلف في الرجلين هل هما مقدّران أو محققان ؟ فقال بالأوّل : بعض المفسرين . وقال بالآخر : بعض آخر . واختلفوا في تعيينهما ، فقيل : هما أخوان من بني إسرائيل ، وقيل : هما أخوان مخزوميان من أهل مكة : أحدهما مؤمن ، والآخر كافر ، وقيل : هما المذكوران في سورة الصافات في قوله : { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [ الصافات : 51 ] . وانتصاب { مثلاً } و{ رجلين } على أنهما مفعولا { اضرب } ، قيل : والأوّل هو الثاني والثاني هو الأوّل { جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } هو الكافر ، و{ منْ أعناب } بيان لما في الجنتين أي : من كروم متنوعة { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } الحفّ : الإحاطة ، ومنه { حَافّينَ مِنْ حَوْلِ العرش } [ الزمر : 75 ] ويقال : حف القوم بفلان يحفون حفاً أي : أطافوا به ، فمعنى الآية : وجعلنا النخل مطيفاً بالجنتين من جميع جوانبهما { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } أي : بين الجنتين ، وهو وسطهما ، ليكون كل واحد منهما جامعاً للأقوات والفواكه .

/خ44