الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعٗا} (32)

وقوله سبحانه : { واضرب لَهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب } [ الكهف : 32 ] .

الضمير في { لَهُم } عائدٌ على الطائفة المتجبِّرة التي أرادَتْ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يطرد فقراء المؤمنين ، فالمثل مضروبٌ للطائفتين ، إذ الرجل الكافر صاحِبُ الجنتين هو بإزاء متجبِّري قريشٍ ، أو بني تميمٍ على الخلاف في ذلك ، والرجُلُ المؤمنُ المُقِرُّ بالربوبية هو بإزاء فقراءِ المؤمنين ، «وخففنا » بمعنى جعلنا ذلك لَهُمَا منْ كُلِّ جهة ، وظاهر هذا المَثَل أنَّه بأمْرٍ وَقَعَ في الوجودِ ، وعلى ذلك فَسَّره أكثر المتأوِّلين ، فروي في ذلك أنهما كانا أخَويْنِ من بني إسرائيل ، ورثا أربعَةَ آلاف دينارٍ ، فصنع أحدهما بماله ما ذكر ، واشترى عبيداً ، وتزوَّج ، وأثْرى ، وأنفق الأخَرُ ماله في طاعة اللَّه عزَّ وجلَّ حتى افتقَرَ ، والتقيا ، فافتخر الغنيُّ ، ووبَّخ المؤمن ، فجرَتْ بينهما هذه المحاورَةُ ، وروي أنهما كانا شريكَيْن حَدَّادَيْنِ كسبا مالاً كثيراً ، وصَنَعَا نحو ما رُوِيَ في أمر الأَخَوَيْنِ ، فكان من أمرهما ما قَصَّ اللَّه في كتابه .

قال السهيلِي : وذكر أن هذَيْن الرجلَيْن هما المذكوران في «والصافات » في قوله تعالى : { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَِقُولُ أَئنَّكَ لَمِنَ المصدقين } [ الصافات : 51 و52 ] إِلى قوله { فاطلع فَرَآه فِي سَوَاءِ الجحيم } [ الكهف : 55 ] وإِلى قوله : { لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون } [ الصافات :61 ]

انتهى .