قوله تعالى : { واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } الآية .
وجه النَّظم أن الكفار ، لمَّا افتخرُوا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، بيَّن الله تعالى أنَّ ذلك ممَّا لا يوجب الافتخار ، لاحتمال أن يصير الغنيُّ فقيراً ، والفقير غنيًّا ، وأما الذي تجبُ المفاخرةُ به فطاعة الله وعبادته ، وهي حاصلةٌ لفقراءِ المسلمين ، وبيَّن ذلك بضرب هذا المثل ؛ فقال : { واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } أي : مثل حال الكافرين والمؤمنين كحال رجلين ، وكانا أخوين في بني إسرائيل : أحدهما : كافرٌ ، واسمه [ براطوس ]{[21042]} ، والآخر : مؤمنٌ ، اسمه يهوذا ، قاله ابن عباس{[21043]} .
وقال مقاتل : اسم المؤمن تمليخا ، واسم الكافر قطروس .
وقيل : قطفر ، وهما المذكوران في سورة " الصافات " في قوله تعالى : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين } [ الصافات : 51 ، 52 ] على ما رواه عبد الله بن المبارك عن معمَّرٍ عن عطاءٍ الخراسانيِّ{[21044]} ، قال : كانا رجلين شريكين ، لهما ثمانية آلافِ دينارٍ .
وقيل : كانا أخوين ، وورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينارٍ ، فأخذ كلُّ واحدٍ منهما أربعة آلاف دينارٍ ، فاشترى الكافر أرضاً بألفٍ ، فقال المؤمن : اللَّهم ، إنَّ أخي اشترى أرضاً بألف ، وإنِّي أشتري منك أرضاً بألف في الجنَّة ، فتصدَّق به .
ثم [ بنى ]{[21045]} أخوه داراً بألف ، فقال المؤمن : اللَّهم ، إني أشتري منك داراً بألف في الجنَّة ، فتصدق به .
ثم تزوج أخوه امرأة بألف ، فقال المؤمن : اللَّهم ، إني جعلت ألفاً صداقاً للحور العين ، وتصدَّق به .
ثم اشترى أخوه خدماً ومتاعاً بألف دينار ، فقال المؤمن : اللهم ، إنِّي اشتريتُ منك الولدان بألف ، فتصدَّق به ، ثم أحاجه ، أي : أصابه حاجةٌ ، فجلس لأخيه على طريقه ، فمرَّ به في خدمه وحشمه ، فتعرَّض له ، فقال : فلانٌ ؟ ! قال : نعم ، قال : ما شأنك ؟ قال : أصابتني حاجةٌ بعدك ، فأتيتك لتصيبني بخير ، قال : ما فعل مالك ، وقد اقتسمنا المال [ سويَّة ]{[21046]} ، فأخذت شطره ؟ فقصَّ عليه قصَّتهُ ، قال : إنَّك لمن المصدِّقين ، اذهب ، فلا أعطيك شيئاً .
وقيل : نزلتْ في أخوين من أهل مكَّة من بني مخزوم ، أحدهما : مؤمنٌ ، وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل ، وكان زوج أمِّ سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم والآخر كافرٌ ، وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد ياليل .
قوله : { رَّجُلَيْنِ } : قد تقدم أنَّ " ضرب " مع المثل ، يجوز أن يتعدى لاثنين في سورة البقرة ، وقال أبو البقاء{[21047]} : التقدير : مثلاً مثل رجلين ، و " جَعلْنَا " تفسير ل " مَثَل " فلا موضع له ، ويجوز أن يكون موضعه نصباً نعتاً ل " رَجُليْنِ " كقولك : مررتُ برجلين ، جعل لأحدهما جنَّةٌ .
قوله : { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } يقال : حفَّ بالشيء : طاف به من جميع جوانبه ، قال النابغة : [ البسيط ]
يَحُفُّهُ جَانِبَا نِيقٍ وتُتْبِعُهُ *** مِثلَ الزُّجاجةِ لمْ تُكْحَلْ من الرَّمدِ{[21048]}
وحفَّ به القوم : صاروا طائفين بجوانبه وحافَّته ، وحففته به ، أي : جعلته مطيفاً به .
والحِفاف : الجانبُ ، وجمعه أحِفَّةٌ ، والمعنى : جعلنا حول الأعناب النَّخْل .
قال الزمخشريُّ : وهذه الصفة ممَّا يؤثرها الدَّهاقين في كرومهم ، وهو أن يجعلوها محفوفة بالأشجار المثمرة ، وهو أيضاً حسنٌ في [ المنظر ]{[21049]} .
قوله : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } قيل : كان الزَّرع في وسط الأعناب ، وقيل : كان الزَّرْع بين الجنَّتين ، أي : لم يكن بين الجنتين موضعٌ خالٍ .
والمقصود منه أمور{[21050]} :
الأول : أن تكون تلك الأرض جامعة للأقوات والفواكه .
والثاني : أن تكون متَّسعة الأطراف ، متباعدة الأكناف ، ومع ذلك ، لم يتوسَّطها ما يقطع بعضها عن بعض .
والثالث : أنَّ مثل هذه الأرض تأتي كلَّ [ يوم ]{[21051]} بمنفعةٍ أخرى ، وثمرة أخرى فكانت منافعها دارّة متواصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.