فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعٗا} (32)

{ واضرب لهم مثلا رجلين } هذا المثل ضربه الله سبحانه لمن يتغرر بالدنيا ويستنكف عن مجالسة الفقراء فهو على هذا متصل بقوله { واصبر نفسك } وقد اختلف في الرجلين هل هما مقدران أم محققان فقال بالأول بعض المفسرين وقال بالآخر البعض الآخر ، واختلفوا في تعيينهما فقيل هما أخوان من بني إسرائيل أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس ، وقيل تمليخا والآخر كافر واسمه قيطوس وهما اللذان وصفهما الله في سورة { والصافات } بقوله { قال قائل منهم إني كان لي قرين } .

وقيل هما أخوان مخزوميان من أهل مكة أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد ، وقيل هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه مع سلمان وأصحابه وانتصاب مثلا ورجلين على أنهما مفعولا اضرب ، قيل والأول هو الثاني والثاني هو الأول .

{ جعلنا لأحدهما } هو الكافر { جنتين } قال السدي : الجنة البستان فكان له بستان واحد وجدار واحد وكان بينهما نهر فلذلك كانا جنتين ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي عليها ، وعن يحي بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي فرطس نهر الجنتين ، قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة .

{ من أعناب } بيان لما في الجنتين أي من كروم متنوعة جمع عنب والعنبة الحبة { وحففناهما بنخل } الحف الإحاطة ومنه { حافين من حول العرش } ويقال حف القوم بفلان يحفون حفا أي أطافوا به فمعنى الآية وجعل النخل مطيفا بالجنتين من جميع جوانبهما وهذا مما يوثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها موزرة بالأشجار المثمرة { وجعلنا بينهما } أي بين الجنتين وهو وسطهما { زرعا } يقتات به ليكون كل واحد منهما جامعا للأقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والتركيب الأنيق .

ثم أخبر الله سبحانه عن الجنتين بأن كل واحدة منهما كانت تؤدي حملها وما فيها فقال