المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

11- وإن أفلت منكم بعض زوجاتكم إلى الكفار ، ثم حاربتموهم ، فآتوا الذين ذهبت زوجاتهم مثل ما أنفقوا عليهن من صداق ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال: في النفقة:... {وإن فاتكم شيء من أزواجكم} يعني أحد أزواجكم {إلى الكفار} يعني إن لحقت امرأة مؤمنة إلى الكفار، يعني كفار الحرب الذين ليس بينكم وبينهم عهد وتزوجها مسلم {فعاقبتم} يقول: فإن غنمتم، وأعقبكم الله مالا {فآتوا} وأعطوا {الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} يعني المهر ما أصبتم من الغنيمة قبل أن تخمس الخمس، ثم يرفع الخمس، ثم تقسم الغنيمة بعد الخمس بين المسلمين، ثم قال: {واتقوا الله} ولا تعصوه فيما أمركم به، {الذي أنتم به مؤمنون} يعني بالله مصدقين...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وَإنْ فَاتَكُمْ "أيها المؤمنون "شَيْءٌ مِنْ أزْواجِكُمْ إلَى الكُفّارِ" فلحق بهم.

واختلف أهل التأويل في الكفار الذين عُنُوا بقوله "إلى الكُفّارِ" من هم؟

فقال بعضهم: هم الكفار الذين لم يكن بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، قالوا: ومعنى الكلام: وإن فاتكم شيء من أزواجكم، إلى من ليس بينكم وبينهم عهد من الكفار...

وقال آخرون: بل هم كفار قريش الذي كانوا أهل هدنة، وذلك قول الزهريّ...

وقوله: {فَعاقَبْتُمْ}... بمعنى: أصبتم منهم عقبى.

وقوله: {فآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أنْفَقُوا} يقول: فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم منكم إلى الكفار مثل ما أنفقوا عليهنّ من الصداق.

واختلف أهل التأويل في المال الذي أمر أن يعطى منه الذي ذهبت زوجته إلى المشركين؛

فقال بعضهم: أُمروا أن يعطوهم صداق من لحق بهم من نساء المشركين... عن الزهريّ، قال: أقرّ المؤمنون بحكم الله، وأدّوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقرّوا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين، فقال الله للمؤمنين: {وَإنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أزْوَاجِكُمْ إلى الكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أنْفَقُوا وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي أنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُونَ} فلو أنها ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين، ردّ المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم، الذي أمروا أن يردّوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن، ثم ردّوا إلى المشركين فضلاً إن كان بقي لهم. والعقب: ما كان بأيدي المؤمنين من صداق نساء الكفار حين آمنّ وهاجرن...

وقال آخرون. بل أُمروا أن يعطوه من الغنيمة أو الفيء...

عن إبراهيم، في قوله: فَعاقَبْتُمْ قال: غنمتم...

وقال آخرون... [عن] ابن زيد في قوله: {وَإنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أزْوَاجِكُمْ إلى الكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ} قال: خرجت امرأة من أهل الإسلام إلى المشركين، ولم يخرج غيرها. قال: فأتت امرأة من المشركين، فقال القوم: هذه عُقْبتكم قد أتتكم، فقال الله {وَإنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أزْوَاجِكُمْ إلى الكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ}: أمسكتم الذي جاءكم منهم من أجل الذي لكم عندهم "فآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أنْفَقُوا" ثم أخبرهم الله أنه لا جناح عليهم إذا فعلوا الذي فعلوا أن ينكحوهنّ إذا استبرئ رحمها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذهبت امرأته إلى الكفار، فقال لهذه التي أتت من عند المشركين: هذا زوج التي ذهبت أزوجكه؟ فقالت: يا رسول الله، عذر الله زوجة هذا أن تفرّ منه، لا والله مالي به حاجة، فدعا البختري رجلاً جسيما، قال: هذا؟ قالت: نعم، وهي ممن جاء من مكة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: أمر الله عزّ وجلّ في هذه الآية المؤمنين أن يعطوا من فرّت زوجته من المؤمنين إلى أهل الكفر إذا هم كانت لهم على أهل الكفر عُقْبى، إما بغنيمة يصيبونها منهم، أو بلحاق نساء بعضهم بهم، مثل الذي أنفقوا على الفارّة منهم إليهم، ولم يخصص إيتاءهم ذلك من مال دون مال، فعليهم أن يعطوهم ذلك من كلّ الأموال التي ذكرناها.

وقوله: {واتّقُوا اللّهَ الّذِي أنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُونَ} يقول: وخافوا الله الذي أنتم به مصدّقون أيها المؤمنون فاتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

روى أنها لما نزلت هذه الآية أدى المؤمنون ما أمروا به من أداء مهور المهاجرات إلى أزواجهنّ المشركين، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئاً من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين، فنزل قوله: {وَإِن فَاتَكُمْ} وإن سبقكم وانفلت منكم {شيء} من أزواجكم: أحد منهن إلى الكفار {فعاقبتم} من العقبة وهي التوبة: شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره. ومعناه: فجاءت عقبتكم من أداء المهر، فآتوا من فاتته امرأته إلى الكفار مثل مهرها من مهر المهاجرة، ولا تؤتوه زوجها الكافر...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{فعاقبتم} والعاقبة في هذه الآية، ليست بمعنى مجازاة السوء بالسوء لكنها بمعنى فصرتم منهم إلى الحال التي صاروا إليها منكم، وذلك بأن يفوت إليكم شيء من أزواجكم. والتعقيب: غزو إثر غزو. ثم ندب تعالى إلى التقوى وأوجبها، وذكر العلة التي بها يجب التقوى وهي الإيمان بالله والتصديق بوحدانيته وصفاته وعقابه وإنعامه.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْمُعَاقَبَةُ: الْمُنَاقَلَةُ عَلَى تَصْيِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ من الشَّيْئَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ عَقِيبَ ذَهَابِ عَيْنِهِ، فَأَرَادَ: فَعَوَّضْتُمْ مَكَانَ الذَّاهِبِ لَهُمْ عِوَضًا، أَوْ عَوَّضُوكُمْ مَكَانَ الذَّاهِبِ لَكُمْ عِوَضًا، فَلْيَكُنْ من مِثْلِ الَّذِي خَرَجَ عَنْكُمْ أَوْ عَنْهُمْ عِوَضًا من الْفَائِتِ لَكُمْ أَوْ لَهُمْ.

...

...

...

...

...

...

....

المسألة الثَّالِثَةُ: فِي مَحَلِّ الْعَاقِبَةِ: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا من الْفَيْءِ؛ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.

الثَّانِي: من مَهْرٍ إنْ وَجَبَ لِلْكُفَّارِ فِي زَوْجِ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَذْهَبِ اقْتِصَاصِ الرَّجُلِ من مَالِ خَصْمِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ دُونَ أَذِيَّةٍ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُرَدُّ من الْغَنِيمَةِ.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{فَعَاقَبْتُمْ} استعارة تمثيلية بأَن شبه كون الإِعطاء تارة من مشرك وتارة من مسلم فتعاقب بتعاقب اثنين على دابة تارة يركب هذا وتارة هذا يتناوبانها {وَاتَّقُوا اللهَ} بترك المعاصي، {الَّذِي أَنْتُم بِهِ} قدم للحصر والفاصلة، {مُؤْمِنُونَ} فإِن الإِيمان بلا تقوى غير نافع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) ويربط هذا الحكم وتطبيقاته كذلك بالضمان الذي يتعلق به كل حكم وكل تطبيق: (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون).. وهي لمسة للمؤمنين بالله عميقة الأثر في القلوب. وهكذا تكون تلك الأحكام بالمفاصلة بين الأزواج تطبيقا واقعيا للتصور الإسلامي عن قيم الحياة وارتباطاتها؛ وعن وحدة الصف الإسلامي وتميزه من سائر الصفوف...

.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما ترتب على نزولها إِباء المشركين من أن يردّوا إلى أزواج النساء اللاءِ بقين على الكفر بمكة واللائي فَرَرْنَ من المدينة والتحَقْنَ بأهل الكفر بمكة مهورَهم التي كانوا أَعطوها نساءهم، عقبت بهذه الآية لتشريع ردّ تلك المهور من أموال المسلمين فيما بينهم. روي أن المسلمين كتبوا إلى المشركين يعلمونهم بما تضمنته هذه الآية من الترادِّ بين الفريقين في قوله تعال: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [الممتحنة: 10]. فامتنع المشركون من دفع مهور النساء اللاتي ذهبت إليهم فنزل قوله تعالى: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} الآية. وأصل الفوت: المفارقة والمباعدة، والتفاوت: المتباعد. والفوت هنا مستعار لضياع الحق والمعنى: إن فرت بعض أزواجكم ولحقت بالكفار وحصل التعاقب بينكم وبين الكفار فعقَّبتم على أزواج الكفار وعقَّب الكفار على أزواجكم وأبى الكفار من دفع مهور بعض النساء اللاء ذهبن إليهم، فادفعوا أنتم لمن حرمه الكفار مهر امرأته، أي ما هو حقه، واحجزوا ذلك عن الكفار. وهذا يقتضي أنه إن أعطي جميع المؤمنين مهور مَن فاتهم من نسائهم وبقي للمشركين فضل يرده المسلمون إلى الكفار.والوجه أن لا يُصار إلى الإِعطاء من الغنائم إلا إذا لم يكن في ذمم المسلمين شيء من مهور نساء المشركين اللاءِ أتيْنَ إلى بلاد الإِسلام وصرن أزواجاً للمسلمين. ولفظ {شيء} هنا مراد به: بعض {من أزواجكم} بيان ل {شيء}، وأريد ب {شيء} تحقير الزوجات اللائي أبَيْن الإِسلام، فإن المراد قد فاتت ذاتها عن زوجها فلا انتفاع له بها. وضمّن فعل {فاتكم} معنى الفرار فعدّي بحرف {إلى} أي فررن إلى الكفار. و« عاقبتم» صيغة تفاعل من العُقْبة بضم العين وسكون القاف وهي النوبة، أي مصير أحد إلى حال كان فيها غيرُه. ففعل {ذهبت} مجاز مثل فعل {فاتكم} في معنى عدم القدرة عليهن. والخطاب في قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم} وفي قوله: {فآتوا} خطاب للمؤمنين والذين ذهبت أزواجهم هم أيضاً من المؤمنين. والمعنى: فليعْط المؤمنون لإخوانهم الذين ذهبت أزواجهم ما يماثل ما كانوا أعطوه من المهور لزوجاتهم. والذي يتولى الإِعطاء هنا هو كما قررنا في قوله: {آتوهم ما أنفقوا} [الممتحنة: 10] أي يُدفع ذلك من أموال المسلمين كالغنائم والأخماس ونحوها كما بينته السنة وأفاد لفظ {مثل} أن يكون المهرُ المعطى مساوِياً لما كان أعطاه زوج المرأة من قبلُ لا نقص فيه. وقد تقدم أن عمر طلق زوجتيه قُريبَة وأمَّ جرول، فلم تكونا ممن لحقن بالمشركين، وإنما بقيتا بمكة إلى أن طلقهما عمر. وأحسب أن جميعهن إنما طلقهن أزواجهن عند نزول قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10]. والتذييل بقوله: {واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} تحريض للمسلمين على الوفاء بما أمرهم الله وأن لا يصدّهم عن الوفاء ببعضه معاملة المشركين لهم بالجور وقلة النصفة، فأمر بأن يؤدي المسلمون لإِخوانهم مهور النساء اللائي فارقوهن ولم يرض المشركون بإعطائهم مهورهن ولذلك اتبع اسم الجلالة بوصف {الذي أنتم به مؤمنون} لأن الإِيمان يبعث على التقوى والمشركون لمّا لم يؤمنوا بما أمر الله انتفى منهم وازع الإِنصاف، أي فلا تكونوا مثلهم. والجملة الاسمية في الصلة للدلالة على ثبات إيمانهم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

العدل حتّى مع الأعداء:

من خلال استعراضنا الآيات الكريمة أعلاه نلاحظ عمق الدقّة وروعة الظرافة واللطف في طبيعة الأحكام التي وردت فيها، موضّحة إلى أي حدٍّ يهتمّ الإسلام بأصل العدالة والقسط في تشريع أحكامه حتّى في أحرج الظروف وأصعبها، لأنّه يسعى لتعميم الخير وإبعاد الأذى والضرر حتّى عن الكفّار. في الوقت الذي نلاحظ أنّ العرف العامّ في حياتنا العملية يتعامل في الظروف والأوقات العصيبة بخصوصية معيّنة واستثناء خاصّ ويتخلّى عن الكثير من قيم الحقّ والعدل ويدّعي أن لا مكان لإحقاق الحقّ فيها.. في حين تؤكّد التشريعات الإلهية على تحمّل كلّ صعوبة حتّى في أدقّ الظروف وأشدّها ضيقاً منعاً لهدر أيّ حقّ، لا للقريبين فقط. بل حتّى للأعداء، إذ يجب أن يحافظ على حقوقهم وترعى حرماتهم. إنّ مثل هذه الأحكام الإسلامية هي في الحقيقة نوع من الإعجاز، ودليل على حقّانية دعوة الرّسول الأعظم حيث السعي بمنتهى الجهد لإقامة العدل حتّى في أسوأ حالات الانتهاك للحرمات الإسلامية في مجال النفس والمال كما كان عليه فعل المجتمع الجاهلي.