المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ} (17)

17- قالوا : يا أبانا ، إننا مضينا نتسابق في الرمي والجري ، وتركنا يوسف عند متاعنا ليحرسه ، فأكله الذئب ونحن بعيدون عنه ، مشغولون بالتسابق دونه ، وما أنت بمصدق لنا فيما نقوله لك ، ولو كان ما نقوله الحق والصدق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ} (17)

( قالوا : يا أبانا ، إنا ذهبنا نستبق ، وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب . وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين . وجاءوا على قميصه بدم كذب ، قال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا ، فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون ) . .

لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة ، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها منذ المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم ! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون ، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى . كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب المكشوفة دليلا على التسرع ، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس ،

وهم ينفونها ، ويكادون يتهكمون بها . فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس ! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ، فكان ظاهر الكذب حتى ليوصف بأنه كذب . .

فعلوا هذا .

وجاءوا أباهم عشاء يبكون ، قالوا : يا أبانا ، إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب . .

ويحسون أنها مكشوفة ، ويكاد المريب أن يقول خذوني ، فيقولون :

( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) . .

أي وما أنت بمطمئن لما نقوله ، ولو كان هو الصدق ، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقول .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ} (17)

{ قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق } نتسابق في العدو أو في الرمي ، وقد يشترك الافتعال والتفاعل كالانتضال والتناضل . { وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا } بمصدق لنا { ولو كنا صادقين } لسوء ظنك بنا وفرط محبتك ليوسف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ} (17)

الاستباق : افتعال من السبق وهو هنا بمعنى التسابق قال في الكشاف } : « والافتعال والتفاعل يشتركان كالانتضال والتناضل ، والارتماء والترامي ، أي فهو بمعنى المفاعلة . ولذلك يقال : السباق أيضاً . كما يقال النضال والرماء » . والمراد : الاستباق بالجري على الأرجل ، وذلك من مرح الشباب ولعبهم .

والمتاع : ما يتمتع أي ينتفع به . وتقدم قي قوله تعالى : { لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم } في سورة النساء ( 102 ) . والمراد به هنا ثَقَلهم من الثياب والآنية والزاد .

ومعنى { فأكله الذئب } قتله وأكل منه ، وفعل الأكل يتعلق باسم الشيء . والمراد بعضه . يقال أكلَه الأسد إذا أكل منه . قال تعالى : { وما أكل السّبع } [ سورة المائدة : 3 ] عطفاً على المنهيات عن أن يؤكل منها ، أي بقتلها .

ومن كلام عمر حين طعنه أبو لؤلؤة أكلني الكلب ، أي عضّني .

والمراد بالذئب جمع من الذئاب على ما عرفت آنفاً عند قوله : { وأخاف أن يأكله الذئب } [ سورة يوسف : 13 ] ؛ بحيث لم يترك الذئاب منه ، ولذلك لم يقولوا فدفنّاه .

وقوله : { وما أنت بمؤمن لنا } خبر مستعمل في لازم الفائدة . وهو أن المتكلم علم بمضمون الخبر . وهو تعريض بأنهم صادقون فيما ادّعوه لأنهم يعلمون أباهم لا يصدقهم فيه ، فلم يكونوا طامعين بتصديقه إياهم .

وفعل الإيمان يعدّى باللام إلى المصدّق بفتح الدال كقوله تعالى : { فآمن له لوطٌ } [ سورة العنكبوت : 26 ] . وتقدم بيانه عند قوله تعالى : { فما آمن لموسى إلا ذريةٌ من قومه } في سورة يونس ( 83 ) .

وجملة { ولو كنا صادقين } في موضع الحال فالواو واو الحال . { ولو } اتصالية ، وهي تفيد أنه مضمون ما بعدها هو أبعد الأحوال عن تحقق مضمون ما قبلها في ذلك الحال . والتقدير : وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين في نفس الأمر ، أي نحن نعلم انتفاء إيمانك لنا في الحالين فلا نطمع أن نموّه عليك .

وليس يلزم تقدير شرط محذوف هو ضد الشرط المنطوق به لأن ذلك تقدير لمجرد التنبيه على جعل الواو للحال مع ( لو وإن ) الوصليتين وليس يستقيم ذلك التقدير في كل موضع ، ألا ترى قول المعري :

وإني وإن كنتُ الأخيّر زمانه *** لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل

كيف لا يستقيم تقدير إني إن كنت المتقدم زمانه بل وإن كنت الأخيرَ زمانه . فشرط ( لو ) الوصلية و ( إن ) الوصلية ليس لهما مفهومُ مخالفة ، لأن الشرط معهما ليس للتقييد . وتقدم ذكر ( لَو ) الوصلية عند قوله تعالى : { أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون } في سورة البقرة ( 170 ) ، وعند قوله تعالى : { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } في سورة آل عمران ( 91 ) .