تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ} (17)

وقوله تعالى : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) هذا القول منهم له في الظاهر عظيم لأنهم قالوا : ( وما أنت بمؤمن لنا ) في هذا وما كنا صادقين عندك من قبل في غير هذا .

أو يكون قوله : ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي تتهمنا ، ولا تصدقنا ، لأنه اتهمهم حين[ في الأصل وم : حيث ] ( قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب )[ الآية : 13 ] فاعترضت له التهمة وليس في الاتهام تكذيب . إنما في الوقف ؛ لأن من ائتمن آخر في شيء ، ثم اتهمه فيه ، لا يكون[ في الأصل وم : يكون ] في اتهامه إياه تكذيب . فعلى ذلك قولهم : ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي تتهمنا بما سبقت منا[ في الأصل وم : من ] التهمة ( ولو كنا صادقين ) .

على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية وإلا لم يجز أن يكون نبي من الأنبياء يكذب من يعلم أنه صادق في خبره وقوله .

فإن قيل قوله : ( وأخاف أن يأكله الذئب )[ الآية : 13 ] كيف كذلك ؟ وقد قال لهم يعقوب : ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك )[ الآية : 6 ] فكيف خاف أكل الذئب والضياع ؟ وذلك لا يحتمل أن يقوله[ في الأصل وم : يقول ] له إلا بعلم من الله والوحي إليه . قيل : يحتمل [ ذلك بوجهين :

أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : أن يكون ما ذكر على شرط الخوف أنه مما ذكر ، فيكون له ما قال من الاجتباء وتعليم الأحاديث وإتمام النعمة عليه .

[ والثاني : أن يكون ][ في الأصل وم : أو ] خاف ذلك على ما خافوا جميعا ما هم عليه من الدين ، و إن اعتصموا عما خافوا جميعا : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )[ إبراهيم : 35 ] ومعلوم أن إبراهيم لا يعبد الأصنام ، وقال يوسف : ( توفني مسلما و ألحقني بالصالحين )[ الآية : 101 ] ومثاله : هو ما ذكرنا في غير موضع : أن العصمة لا تزيل الخوف ، ولا تؤمن من[ في الأصل وم : عن ] ارتكاب مضاداته ، بل تزيد الخوف على[ أدرج بعدها في الأصل وم : ذلك ] الأخيار والأبرار ؛ كأن خوفهم وإشفاقهم على دينهم أكثر من غيرهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( نستبق ) قال بعضهم : نشتد إلى الصيد . وقال أبو عوسجة : ( نستبق ) هذا من السباق أي يعدون حتى ينظروا إليهم ؛ يستبق أي يتقدم من صاحبه ، ويغلبه في العدو .

وقال القتبي : ( نستبق ) أي ننتضل : يسابق بعضنا بعضا في الرمي . يقال : سابقته ، فسبقته ، والله أعلم .