اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ} (17)

و " نَسْتَبْقُ " نتسابق . والافتِعَال والتَّفاعُل يشتركان نحو قولهم : نَنْتَضِل ونتناضل ونرتمي ونترامى ، و " نَسْتَبِقَ " في محل نصب على الحال و " تَركْنَا " حال من نَسْتَبقُ و " قد " معه مضمرة عند بعضهم .

قال الزجاج : " يسابق بعضنا بعضاً في الرمي " ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " لا سَبقَ إلاَّ في نصْلٍ أو خفِّ أو حافرٍ " يعنى بالنصل : الرمي وأصل السبق : الرمي بالسهم ، ثم يوصف المتراميان بذلك ، يقال : استبقا وتسابقا : إذا فعلا ذلك السبق ليتبين أيهما أسبق .

ويدل على صحة هذا التفسير ما روي في قراءة عبدالله : " إنَّا ذَهبْنَا نَنْضِلُ " وقال السدي ومقاتل : " نَسْتبِقُ " نشتد ونعدو .

فإن قيل : كيف جاز أن يستبقوا وهم رجال بالغون ، وهذا من فعل الصبيان فالجواب : أن الاستباق منهم كان مثل الاستباق في الخيل ، وكانوا يجربون بذلك أنفسهم ويدربونها على العدو ، لأنه كالآلات لهم في محاربة العدو ، وقوله " فأكلهُ الذِّئْبُ " قيل : أكل الذئب يوسف وقيل : عرَّضُوا ، وأرادوا أكل الذئب المتاع ، والأول أصح .

ثم قالوا : " ومَا أنْتَ بمُؤمٍ لنَا " ، أي بمصدق لنا . وقولهم " ولوْ كُنَّا صَادقينَ " جملة حالية ، أي : ما أنت بمصدق لنا في كل حال حتى في حال صدقنا لما غلب على ظنك في تهمتنا ببغض يوسف وكراهتنا له .

فإن قيل : كيف قالوا ليعقوب : أنت لا تصدق الصادقين ؟ .

قيل : المعنى أنك تتهمنا في هذا الأمر ؛ لأنك خفتنا في الابتداء ، واتهمتنا في حقه .

وقيل : المعنى لا تصدقنا ؛ لأنه لا دليل لنا على صدقنا وإن كنا صادقين عند الله تعالى .

فصل

احتجوا بهذه الآية على أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق لقوله تعالى : { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } ، أي بمصدق .

روي أن امرأة تحاكمت إلى شريح فبكت ، فقال الشعبي : يا أبا أمية : أما تراها تبكي ؟ قال : قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة كذبة لا ينبغي للإنسان أن يقضي إلا بالحق .