محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبۡنَا نَسۡتَبِقُ وَتَرَكۡنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئۡبُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُؤۡمِنٖ لَّنَا وَلَوۡ كُنَّا صَٰدِقِينَ} (17)

[ 17 ] { قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين 17 } .

{ قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق } أي في العدو والرمي بالنصل { وتركنا يوسف / عند متاعنا } أي ما يتمتع به من الثياب والأزواد وغيرهما ليحفظه { فأكله الذئب } أي كما حذرت .

وقوله تعالى : { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين } تلطف عظيم في تقرير ما يحاولونه . يقولون : ونحن نعلم أنك لا تصدقنا في هذه الحالة ، ولو كنا عندك صادقين ، فكيف وأنت تتهمنا ، وغير واثق بقولنا ؟ .

وقد استفيد من الآية أحكام :

منها : أن بكاء المرء لا يدل على صدقه ، لاحتمال أن يكون تصنعا نقله ابن العربي .

ومنها : مشروعية المسابقة . وفيه من الطب رياضة النفس والدواب ، وتمرين الأعضاء على التصرف - كذا في ( الإكليل ) - .

قال بعض اليمانيين : اللعب إن كان بين الصغار جاز بما لا مفسدة فيه ، ولا تشبه بالفسقة . وأما بين الكبار ، ففيه ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون في معنى القمار فلا يجوز .

الثاني : أن لا يكون في معناه ، وفيه استعانة وحث على القوة والجهاد ، كالمناضلة بالقسي ، والمسابقة على الخيل ، فذلك جائز وفاقا .

الثالث : أن لا يكون فيه عوض كالمصارعة ونحوها . ففي ذلك قولان للشافعية . رجح الجواز ، إن كان بغير عوض ، أو بعوض يكون دفعه على سبيل الرضا ، لأنه صلى الله عليه وسلم{[4913]} صارع يزيد بن ركانة .

وروي أن عائشة قالت{[4914]} : " سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ، فسبقته في المرة الأولى ، فلما بدنت سبقني وقال : هذه بتلك " .

وفي الحديث{[4915]} : " ليس من اللهو ثلاثة : ملاعبة الرجل لأهله ، وتأديبه فرسه ورميه بقوسه " انتهى .


[4913]:أخرجه أبو داود في: 31- كتاب اللباس، 21- باب في العمائم، حديث 4078.
[4914]:أخرجه ابن ماجة في: 9- كتاب النكاح، 50- باب حسن معاشرة النساء، حديث رقم 1979 (طبعتنا).
[4915]:أخرجه أبو داود، من حديث طويل، عن عقبة بن عامر، في: 15- كتاب الجهاد، 23- باب في الرمي، حديث رقم 2513.