المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

28- قال موسى : إن كنتم تعقلون فآمنوا برسالتي ، لأن شروق الشمس وغروبها بتقدير مُحكم دليل ظاهر علي الخالق ، إذن فأنتم الأحِقَّاء بصفة الجنون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

10

ولكن هذا التهكم وهذا القذف لا يفت في عضد موسى ، فيمضي في طريقه يصدع بكلمة الحق التي تزلزل الطغاة والمتجبرين :

( قال : رب المشرق والمغرب وما بينهما . إن كنتم تعقلون ) . .

والمشرق والمغرب مشهدان معروضان للأنظار كل يوم ؛ ولكن القلوب لا تنتبه إليهما لكثرة تكرارهما ، وشدة ألفتهما . واللفظ يدل على الشروق والغروب . كما يدل على مكاني الشروق والغروب . وهذان الحدثان العظيمان لا يجرؤ فرعون ولا غيره من المتجبرين أن يدعي تصريفهما . فمن يصرفهما إذن ومن ينشئهما بهذا الإطراد الذي لا يتخلف مرة ولا يبطى ء عن أجله المرسوم ? إن هذا التوجيه يهز القلوب البليدة هزا ، ويوقظ العقول الغافية إيقاظا . وموسى - عليه السلام - يثير مشاعرهم ، ويدعوهم إلى التدبر والتفكير : ( إن كنتم تعقلون ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

{ قال رب المشرق والمغرب وما بينهما } تشهادون كل يوم أه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنظيم به أمور الكائنات . { إن كنتم تعقلون } إن كان لكم عقل علمتم أن لا جواب لكم فوق ذلك لا ينهم أولا ، ثم لما رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

لما رأى موسى سوء فهمهم وعدم اقتناعهم بالاستدلال على الوحدانية بالتكوين المعتاد إذ التبس عليهم الأمر المعتاد بالأمر الذي لا صانع له انتقل موسى إلى ما لا قبل لهم بجحده ولا التباسِه وهو التصرف العجيب المشاهد كل يوم مرتين ، كما انتقل إبراهيم عليه السلام من الاستدلال على وجود الله بالإحياء والإماتة لما تَمَوَّه على النمرود حقيقة معنى الإحياء والإماتة فانتقل إبراهيم إلى الاستدلال بطلوع الشمس فيما حكى الله تعالى : { ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربّي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب } [ البقرة : 258 ] فكانت حجة موسى حجة خليلية .

والمشرق والمغرب يجوز أن يراد بهما مكان شروق الشمس ومكان غروبها في الأفق ، فيكون تحريكاً للاستدلال بما يقع في ذلك المكان من الأُفق من شروق الشمس وغروبها ، فيكون المراد بربّ المشرق والمغرب خالقَ ذلك النظام اليومي على طريقة الإيجاز .

ويجوز أن يراد بالمشرق والمغرب المصدر الميمي ، أي ربّ الشروق والغروب ، فيكون المراد بالربّ الخالق ، أي مكوِّن الشروق والغروب ويكون المراد بما بينهما على هاذين الوجهين ما بين الحالين وضمير ( بينهما ) للمشرق والمغرب فكأنه قيل وما بين المشرق والمغرب وما بين المغرب والمشرق ، أي ما يقع في خلال ذلك من الأحوال ، فأما ما بين الشروق والغروب فالضحى والزوال والعصر والاصفرار ، وأما ما بين الغروب والشروق فالشفق والفجر والإسفار كلها دلائل على تكوين ذلك النظام العجيب المتقن .

وقيل المراد برب المشرق والمغرب مالك الجهتين . وهذا التفسير يفيت مناسبة الكلام لمقام الاستدلال بعظيم ولا يلاقي التذييل الواقع بعده في قوله : { إن كنتم تعقلون } .

وتانك الجهتان هما منتهى الأرض المعروفة للناس يومئذ فكأنه قيل : ربّ طرَفي الأرض ، وهو كناية عن كون جميع الأرض ملكاً لله . وهذا استدلال عرفي إذ لم يكونوا يعرفون يومئذ مَلِكاً يملك ما بين المشرق والمغرب ، وما كان مُلك فرعون المؤلّه عندهم إلا لبلاد مصر والسودان .

والتذييل بجملة : { إن كنتم تعقلون } تنبيه لنظرهم العقلي ليعاودوا النظر فيدركوا وجه الاستدلال ، أي إن كنتم تُعملون عقولكم ، ومن اللطائف جعل ذلك مقابل قول فرعون : إن رسولكم لمجنون ، لأن الجنون يقابله العقل فكان موسى يقول لهم قولاً ليناً ابتداء ، فلما رأى منهم المكابرة ووصفوه بالجنون خاشنهم في القول وعارض قول فرعون { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } [ الشعراء : 27 ] فقال : { إن كنتم تعقلون } أي إن كنتم أنتم العقلاء ، أي فلا تكونوا أنتم المجانين ، وهذا كقول أبي تمام للذَيْن قالا له : « لِم تقول ما لا يُفهم » قال : « لم لا تفهمان ما يقال » .