فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

{ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا } خصهما ّلأنهما أوضح دلالة وأظهر ، وذلك أنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وطلوع النهار ، وأراد بالمغرب غروب الشمس وزوال النهار ، ومعلوم أن طلوع الشمس من أحد الخافقين ، وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم ، لا يكون إلا بتقدير قادر حكيم ، والمعنى ليس ملكه كملكك لأنك إنما تملك بلدا واحدا لا يجري أمرك في غيره ، ويموت فيه من لا تحب أن يموت .

والذي أرسلني ، يملك المشرق والمغرب وما بينهما ، أي فتشاهدون في كل يوم أنه يأتي بالشمس من المشرق ، ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله ، حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنتظم به أمور الكائنات ، ولم تشتغل موسى بدفع ما نسبه إليه من الجنون ، بل بين لفرعون شمول ربوبية الله للمشرق والمغرب وبينهما ، وإن كان ذلك داخلا تحت ربوبيته سبحانه للسموات والأرض وما بينهما لما تقدم ، ولأن فيه تصريحا بإسناد حركات السماوات وما فيها وتغيير أحوالها وأوضاعها ، تارة بالنور ، وتارة بالظلمة إلى الله ، وقيل علم موسى أن قصده في السؤال معرفة من سأل عنه فأجاب بما هو الطريق إلى معرفة الرب .

{ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } شيئا من الأشياء ، أو إن كنتم من أهل العقول أي إن كنت يا فرعون ومن معك من العقلاء ، عرفت وعرفوا أنه لا جواب لسؤالك إلا ما ذكرت لك ، لاينهم أولا ، وعاملهم بالرفق ، حيث قال لهم { إن كنتم موقنين } ثم لما رأى شدة شكيمتهم ، خاشنهم وأغلظ عليهم في الرد ، وعارضهم بمثل مقالتهم بقوله : { إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } لأنه أبلغ وأوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه ، ثم إن اللعين لما انقطع عن الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب والتهديد ، وهكذا ديدن المعاند المحجوج .