فقال موسى عليه السلام : { رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون } فعدل إلى طريق ثالث أوضح من الثاني ، وذلك لأنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وظهور النهار ، وأراد بالمغرب غروب الشمس وزوال النهار ، والأمر ظاهر في أن هذا التدبير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر وهذا بعينه طريقة إبراهيم عليه السلام مع نمروذ ، فإنه استدل أولا بالإحياء والإماتة وهو الذي ذكره موسى عليه السلام ههنا بقوله : { ربكم ورب آبائكم الأولين } فأجابه نمروذ بقوله : { أنا أحيي وأميت } فقال : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } وهو الذي ذكره موسى عليه السلام ههنا بقوله : { رب المشرق والمغرب } .
وأما قوله : { إن كنتم تعقلون } فكأنه عليه السلام قال إن كنت من العقلاء عرفت أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت لأنك طلبت مني تعريف حقيقته بنفس حقيقته ، وقد ثبت أنه لا يمكن تعريف حقيقته بنفس حقيقته ولا بأجزاء حقيقته ، فلم يبق إلا أن أعرف حقيقته بآثار حقيقته ، وأنا قد عرفت حقيقته بآثار حقيقته . فقد ثبت أن كل من كان عاقلا يقطع بأنه لا جواب عن هذا السؤال إلا ما ذكرته .
واعلم أنا قد بينا في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده } أن حقيقة الإله سبحانه من حيث هي هي غير معقولة للبشر ، وإذا كان كذلك استحال من موسى عليه السلام أن يذكر ما تعرف به تلك الحقيقة ، إلا أن عدم العلم بتلك الخصوصية لا يقدح في صحة الرسالة فكان حاصل كلام موسى عليه السلام أن ادعاء رسالة رب العالمين تتوقف صحته على إثبات أن للعالمين ربا وإلها ولا تتوقف على العلم بخصوصية الرب تعالى وماهيته المعينة ، فكأن موسى عليه السلام يقيم الدلالة على إثبات القدر المحتاج إليه في صحة دعوى الرسالة ، وفرعون يطالبه ببيان الماهية ، وموسى عليه السلام كان يعرض عن سؤاله لعلمه بأنه لا تعلق لذلك السؤال نفيا ولا إثباتا في هذا المطلوب ، فهذا تمام القول في هذا البحث والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.