تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

[ الآية 28 ] فعند ذلك قال موسى : { رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون } لم يجبه موسى في كل ما ذكر له عن الماهية ، ولكن أجابه في الأول عن بيان [ الربوبية والألوهية حين ]{[14631]} { قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين } [ الشعراء : 24 ] ذلك ، فعرف اللعين أنه ليس هو رب السماوات والأرض لما يعلم أنه لا صنع له في ذلك ، وأنه لم ينشئهما ، ولكن أنشأهما رب العالمين على ما ذكر موسى .

لكن كأنه لم يعرف حدثهما ولا فناءهما بما ذكر له موسى لما [ لم ]{[14632]} يشاهد حدثهما وفناءهما ، فلم يتقرر ذلك عنده أنهما كذلك كانا ، ويكونون أبدا . فعند ذلك احتاج إلى أن يذكر له ما يشاهد [ حدثه وفناءه ]{[14633]} وهو ما { قال ربكم وبرب آبائكم الأولين } ذكر له ما شاهد حدثه وفناءه .

فإذا عرف حدث ما ذكر وفناءه يعرف أنه إذا لم يكن بنفسه ، ولا يكون نفسه إلا بمحدث أحدثه وبمدبر ، دبره .

ثم { قال رب المشرق والمغرب وما بينهما } ذكر ههنا قدرته وسلطانه ، وهو يأتي بالنهار من المشرق وبالليل من المغرب ، ويطلع الشمس من المشرق ، ويغربها في{[14634]} المغرب ، وكذلك القمر والنجوم .

ففيه دلالة البعث لأن من قدر على أن يأتي بالنهار من كذا وبالليل من ناحية كذا والشمس والقمر من كذا قادر على البعث ، لا يعجزه شيء . ففي كل حرف من الأحرف دلالة واستدلال على شيء ، ليس في الأخرى .

وفي قوله : { رب السماوات والأرض } دلالة ربوبية الله وألوهيته . وفي قوله : { قال ورب آبائكم الأولين } دلالة حدث ما ذكر وفنائه ودلالة محدث ومدبر . وفي قوله : { رب المشرق والمغرب } دلالة قدرته وسلطانه على البعث على الوجه الذي ذكرنا .

وفي ذلك دلالة أن الله تعالى لا يعرف بالماهية ولا بما يحس{[14635]} ، ولكن إنما يعرف من جهة الاستدلال بخلقه وبالآيات التي تدل على وحدانيته حين{[14636]} سأل فرعون موسى عن الماهية ، فأجاب على الاستدلال بخلقه .


[14631]:- في الأصل وم: ربوبيته وألوهيته حيث.
[14632]:- من م، ساقطة من الأصل.
[14633]:- في الأصل وم: حدثهما وفناءهما.
[14634]:- في الأصل وم: من.
[14635]:- في الأصل وم: يحسن.
[14636]:- في الأصل وم: حيث.