اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

فقال موسى - عليه السلام{[37054]} - :{ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بينهما إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } فعدل إلى طريق ثالث أوضح من الثاني ، وذلك أنه أراد ب «المَشْرِق » طلوع الشمس وظهور النهار ، وأراد ب «المَغْرِب » : غروب الشمس وزوالها ، والأمر ظاهر ؛ لأن التدبير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر ، وهذا بعينه طريقة إبراهيم - عليه السلام - مع نمروذ ، فإنه استدل أولاً بالإحياء والإماتة ، وهو الذي ذكره إبراهيم - عليه السلام - بقوله : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائكم الأولين } فأجابه نمروذ : { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } [ البقرة : 258 ] فقال : { إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } وهو{[37054]} الذي ذكره موسى - عليه السلام{[37056]} - بقوله : { رَبُّ المشرق والمغرب } .

وأما قوله { إِنْ كَنْتُم تَعْقِلُونَ } فكأنه - عليه السلام - قال : إن كنت من العقلاء عرفت أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت ، لأنك طلبت مني تعريف حقيقته ، ولا يمكن{[37057]} تعريف حقيقته بنفس حقيقته ، ولا بأجزاء حقيقته ، فلم يبق إلا أن أُعرِّف حقيقته بآثار حقيقته ، وقد عرّفت حقيقته بآثارحقيقته ، فمن كان عاقلاً يقطع بأنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرته . واعلم أن حقيقته غير معقولة للبشر ، فيستحيل{[37058]} من موسى - عليه السلام{[37059]} - أن يذكر ما تعرف ( به تلك ){[37060]} الحقيقة ، إلا أن عدم العلم بتلك الخصوصية لا يقدح في صحة الرسالة .


[37054]:في ب: وهذا.
[37056]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37057]:في ب: ولا يكون.
[37058]:في ب: ليستحيل.
[37059]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37060]:به تلك: تكملة من الفخر الرازي.