مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

{ قَالَ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم ، وهذا غاية الإرشاد حيث عمم أولاً بخلق السماوات والأرض وما بينهما ، ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته ، ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستوٍ من أظهر ما استدل به ، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالأحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان .

وقيل : سأله فرعون عن الماهية جاهلاً عن حقيقة سؤاله ، فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أن موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته وآثار صنعه فقال معجباً لهم من جواب موسى : ألا تستمعون ؟ فعاد موسى إلى مثل قوله الأول فجننه فرعون زاعماً أنه حائد عن الجواب ، فعاد ثالثاً إلى مثل كلامه الأول مبيناً أن الفرد الحقيقي إنما يعرف بالصفات وأن السؤال عن الماهية محال وإليه الإشارة في قوله تعالى { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } أي إن كان لكم عقل علمكم أنه لا تمكن معرفته إلا بهذا الطريق ، فلما تجير فرعون ولم يتهيأ له أن يدفع ظهور آثار صنعه .