التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

ولكن موسى - عليه السلام - لم يؤثر ما قاله فرعون في نفسه ، بل رد عليه وعليهم بكل شجاعة وحزم فقال : { رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } .

أى : قال موسى : ربنا رب السموات والأرض وما بينهما . وربكم ورب آبائكم الأولين . ورب المشرق الذى هو جهة طلوع الشمس وطلوع النهار . ورب المغرب الذى هو غروب الشمس وغروب النهار .

وخصهما بالذكر . لأنهما من أوضح الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ولأن فرعون أو غيره من الطغاة لا يجرؤ ولا يملك ادعاء تصريفهما أو التحكم فيهما على تلك الصورة البديعة المطردة . والتى لا اختلال فيها ولا اضطراب . . كما قال إبراهيم للذى حاجه فى ربه : { إِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ . . } وجملة { إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } حض لهم على التعقل والتدبر ، وتحذير لهم من التمادى فى الجحود والعناد .

أى : ربنا وربكم هو رب هذه الكائنات كلها ، فأخلصوا العبادة له ، إن كانت لكم عقول تعقل ما قلته لكم ، وتفهم ما أرشدتكم إليه .

وهكذا انتقل بهم موسى من دليل إلى دليل على وحدانية الله وقدرته ، ومن حجة إلى حجة ، ومن أسلوب إلى أسلوب لكى لا يترك مجالا فى عقولهم للتردد فى قبول دعوته .